'مجتمع الذئاب': انضباط.. وفاء وتضحية
عالم الذئاب.. ذلك ''المجتمع'' الذي يُعد الأكثر انضباطا وتنظيما في البرية، والذي يعيش 'أفراده' بروح "الرفيق"، لأسباب سنفصّلها في هذا المقال التفسيري.
هل كنت تعلم مثلا أنّ المواجهة بين القائد وأحد أفراد القطيع الطامحين للزعامة لا تنتهي بسفك الدماء أو الموت في الغالب؟ بل تنتهي بحركة رمزية مذهلة، تتلخّص في وضع المنتصر لفكيه على عنق المهزوم، في إعلان عن الخضوع، دون جروح أو دماء.
وتُعتبر هذه الحركة إحدى طرق الذئاب في حماية القطيع من التمزق، وفي تثبيت النظام دون الانجرار إلى العنف الذي قد يُهدد وحدته ومستقبله.
هذا السلوك الدقيق وثّقه عالم الذئاب البارز "ديفيد ميك"، في دراسة أصبحت مرجعا في فهم البنية الاجتماعية للذئاب البرية.

ذئب 'ألفا'.. 'بيتا' و'أوميغا'.. خرافة قديمة:
لطالما تحدثت وسائل الإعلام والأوساط الشعبية عن الذئب "ألفا" كقائد للقطيع في البرية، يتميّز بالصرامة والعنف، ويساعده في القيادة الذئب "بيتا"، ويخضع لتعليماتهما الذئب "أوميغا"، الذي تقتصر مهامه على اللعب مع الجراء وغيرها من الأمور الهامشية، لتتشكل صورة مجتمع ذئاب هرمي مبني على الصراع والعنف.
هذه الصورة، ترسّخت بعد دراسات أُجريت على ذئاب في الأَسْر لا تربطها أي صلة سنة 1970، مما عزّز سلوكيات العنف والتنافس بينها، وفق دراسات عديدة في المجال.
حتى "ديفيد ميك" نفسه، كان من المروّجين لهذا النموذج، قبل أن يتراجع عنه، مؤكدا أن الذئاب في البرية تعيش في مجموعات عائلية، يقودها زوجان متكاثران يخضع لهما الأبناء دون صراع دموي يُضعف الجماعة أو يُهدد استقرارها، حسب ما ذهب له في دراساته التي اهتمت بحياة الذئاب في البرية.

تركيبة القطيع:
عادة ما يتركّب قطيع الذئاب في البرية من "الزوجين المهيمنين"، يتخذان القرارات الكبرى مثل الصيد والتنقل والحماية، ويحظيان باحترام باقي أفراد القطيع.
وفق موقع National Park، فإن الذئب البالغ غير المتكاثر يلعب دورا محوريا في دعم استقرار المجموعة، إلى جانب الصيد والدفاع عنها.
كما أن الجِراء تلقى اهتماما بالغا من الجميع. تُطعم من قِبل البالغين وتتعلم المهارات الضرورية للحياة البرية من خلال اللعب، ثم المشاركة لاحقا في عمليات الصيد.
وفي بعض الحالات، تختار بعض الذئاب مغادرة القطيع، إمّا بعد خسارة صراع على القيادة أو بسبب رغبتها في تأسيس قطيع جديد، كما تذكر عدة مواقع إلكترونية متخصصة في سلوك الذئاب.
الذئب المنفرد:
يعتبر أحد أبرز المغادرين للقطيع، سواء أُجبر على الرحيل أو اختار ذلك. وتكون حياته في البرية أكثر صعوبة. فيتعيّن عليه الحذر أكثر في الصيد والحماية بعد أن فقد دعم القطيع. وغالبا ما يسعى الذئب المنفرد إلى تكوين قطيع جديد بعد العثور على شريك أو شريكة أخرى وحيدة مثله.

التواصل:
تعتمد الذئاب على لغة جسدية غنية، تشمل حركات الذيل، وضعية الأذنين، النظرات، وحتى العواء.
هذه الوسائل لا تُستخدم فقط للتحذير من الخطر أو كإشارة للتفوق أو الخضوع، بل أيضا لتأكيد الارتباط بين أفراد القطيع، كما فسّرت مواقع متخصصة في سلوكيات الحيوانات ذلك.
وفاء، تضحية، حزن... ميزات أخرى لمجتمع الذئاب:
تشير دراسات عديدة راقبت حياة الذئاب في البراري إلى أنها كائنات وفية بشكل لافت. فهي تُشارك طعامها مع أفراد القطيع المصابين، وغالبا ما تلتزم بشريك واحد في التزاوج، يتعاونان في التربية والصيد واتخاذ القرارات حتى وفاة أحدهما. كما أنها تضحي من أجل القطيع حتى الموت، وتحزن لفقدان أحد أفراده، فتتوقف عن الأكل وتكثر من العواء، وأحيانا تمكث طويلا في المكان الذي كان يجلس فيه الذئب الراحل، حسب ما ورد في موقع Living with Wolves.

من الذئاب إلى البشر... ليتنا نتعلم:
وفي زمن تتربص به الحروب في كل القارات، وتفترسه النزاعات على الزعامة والسلطة، يبدو مجتمع الذئاب لمن يعرفه، درسا في الحكمة. فالذئاب تتنازل عن الدم حين يُصبح سفكه تهديدا لوحدة القطيع، وتحمي الضعيف والمريض حتى ترجع له قوته وصحته، بينما يمعن الإنسان، أرقى الكائنات عقلا، في إشعال الحروب التي تحصد الأرواح وتقتل الضعفاء قبل الأقوياء وتُحطّم الأوطان من أجل سلطة قد لا تدوم.
برهان اليحياوي