languageFrançais

الغرق في تونس: كيف نمنع المزيد من المآسي؟

تصدرت حادثة وفاة الطفلة مريم ابنة الثلاث سنوات اثر غرقها بمنطقة عين قرنز بقليبية وانتشال جثتها من سواحل قربة، العناوين وخلفت في قلوب كل المتابعين لوعة وحسرة رغم الايمان بالقضاء والقدر الا أن تتالي حوادث الغرق بات يستدعي تدخلا عاجلا ومزيدا من الحذر والتوعية.

وفي آخر إحصاء لحالات الغرق في شهر جوان الماضي, تم إنقاذ 50 شخصا ، وتسجيل 26 حالة غرق، جميعها تقريبا في شواطئ غير محروسة رغم وجود علامات تحذيرية وفق تصريح المتحدث باسم الحماية المدنية معز تريعة.

لماذا يحدث الغرق ؟

ولم تكن الطفلة مريم تلك الوحيدة التي خطف منها البحر ضحكتها، ففي معتمدية سليمان من ولاية نابل، تم تسجيل حادثة غرق لأربع فتيات جرفتهن التيارات البحرية، ما استوجب تدخل أعوان الحرس البحري.

وتم إنقاذ فتاة ونقلها إلى المستشفى المحلي بسليمان لمواصلة تلقي الإسعافات اللازمة، كما تم إنقاذ صديقتها دون الحاجة إلى نقلها للمستشفى، في حين تم انتشال جثتي الفتاتين الأخريين.
 وفي نفس يوم الحادثتين، تم إنقاذ طفلة تبلغ 3 سنوات بعد فقدانها في شاطئ البقالطة بالمنستير أثناء سباحتها بعوامة مطاطية.

في تفسيره لأسباب حوادث الغرق، يوضح الغواص المتطوّع ختام ناصر أنّ البحر يخدع بمظهره؛ إذ يبدو هادئًا من السطح، لكنه يخفي في أعماقه تيارات جاذبة وخطيرة. ويؤكّد أن الاعتقاد بأن البحر يبقى هادئًا طوال فصل الصيف غير صحيح.

ويضيف ناصر أن هذه التيارات تزداد نشاطا خلال الصيف، خاصةً عند اكتمال القمر، حيث تنشط الرياح التي تكسر الأمواج وتجعل البحر يبدو ساكنًا، بينما في الواقع تدفع هذه الرياح التجهيزات المطاطية (مثل العوّامات) إلى داخل البحر، مما يشكل خطرًا على المصطافين.

كيف نتفادى الغرق؟

ودعا تريعة المواطنين إلى ارتياد الشواطئ المحروسة والالتزام برايات الإنذار: إذ تمثل الراية الحمراء بأن الشاطئ محروس والسباحة ممنوعة والخضراء بأن الشاطئ محروس، والسباحة مسموحة والبرتقالية بأن الشاطئ محروس والسباحة يجب ان تكون بحذر.

كما شدد على تجنب الشواطئ الصخرية، والانتباه للأطفال عند استخدام العوامات، وعدم القفز في الماء مباشرة بعد التعرض الطويل للشمس.

من جهته، أشار أحد أعوان الحماية المدنية لموزاييك إلى أن استخدام العوامات المطاطية من قبل الأطفال يُعدّ من بين أبرز أسباب حالات الفقدان أو الغرق، نظراً لإمكانية انقلابها رأساً على عقب مع تثبيت الطفل فوقها، مما يشكّل خطراً كبيراً.

وأكد العون على أهمية استخدام 'brassards' (أجنحة السباحة) للأطفال، باعتبارها أكثر أمانا، حيث تساعدهم على الطفو بثبات فوق سطح الماء دون خطر الانقلاب.

''لا تتركوا أطفالكم يسبحون بمفردهم''

تلعب الأسرة دورا محوريا في حماية الأطفال من مخاطر البحر، إذ يقع على عاتق الأولياء مسؤولية مراقبة أبنائهم بشكل دائم أثناء تواجدهم على الشواطئ، وعدم السماح لهم بالسباحة بمفردهم أو باستخدام عوامات مطاطية غير آمنة. وقد أكدت وزارة الصحة في آخر بلاغ لها أهمية اتباع التوصيات المتعلقة بالوقاية من حوادث الغرق، مشدّدة على ضرورة الانتباه للأطفال في الماء وتجنّب تركهم عرضة للخطر.

كما يُستحسن توعية الأطفال منذ سن مبكرة بمخاطر البحر والتيارات البحرية، مع غرس ثقافة احترام قواعد السلامة البحرية لديهم، بما يعزز من وعيهم ويدربهم على التعامل مع المواقف الخطرة بشكل سليم.

خطة عمل وطنية... ضرورة ملحّة

لا شك أن تكرار حوادث الغرق وتزايد عدد الضحايا يستوجب تحركًا عاجلًا من خلال وضع خطة عمل وطنية متكاملة، تُبنى على رؤية استراتيجية تشمل عددًا من الوزارات والجهات المعنية، بهدف حماية الأرواح والحد من هذه المآسي.

وتتمثل أولى خطوات هذه الخطة في تعزيز عدد فرق الإنقاذ على الشواطئ، لا سيما غير المحروسة، وتزويدها بالتجهيزات الحديثة التي تمكّنها من التدخل السريع، مثل الزوارق المطاطية والمروحيات، مع الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة عبر استخدام الطائرات دون طيار (الدرون) لمسح المناطق الخطرة ورصد التحركات غير الآمنة في البحر

في جانب آخر، تبرز أهمية إدراج برامج تعليمية حول السلامة البحرية في المناهج الدراسية، لترسيخ وعي مبكر لدى التلاميذ، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية لتعليم السباحة لفائدة الأطفال والطلاب، مما يُسهم في الوقاية المسبقة ويقلّص من نسبة الحوادث. ويُستحسن كذلك تنظيم حملات توعوية داخل المدارس والمراكز الشبابية، تُسلّط الضوء على مخاطر الغرق وطرق تجنبها.

إنّ البحر، رغم جماله الآسر، لا يرحم من يستهين بقوانينه. فالمأساة لا تكمن فقط في لحظة الغرق، بل في الوجع العميق الذي تتركه كل خسارة داخل بيتٍ كان يعجّ بالحياة. 

حادثة الطفلة مريم، ذات الثلاث سنوات، التي انتُشلت جثتها بعد أيام من البحث المضني، ليست قدرا محتوما، بل نتيجة لتهاون، أو غياب وعي، أو ضعف في التخطيط. كل موجة تأخذ معها غاليا، تُنذرنا بأن حوادث الغرق يمكن تجنّبها، إذا جعلنا السلامة أولوية والوعي سبيلا.

منتصر اليحياوي

share