اقتصاد العالم يترنّح تحت التصعيد الإيراني الإسرائيلي.. أيّ سيناريوهات؟
في خضمّ تصعيد غير مسبوق، تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ الأسبوع الماضي مواجهات واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران. وبينما ينشغل العالم بمخاطر الانزلاق نحو حرب شاملة، بدأت بوادر أزمة اقتصادية تطلّ برأسها على الصعيديْن الإقليمي والدولي.
فكيف يُمكن أن تنعكس هذه المواجهة على أسعار الطاقة واستقرار الاقتصاد في المنطقة وخارجها؟
مضيق هرمز.. ورقة 'ضغط خطيرة' في يد إيران
لا يخفى أنّ لكلّ صراع عسكري تداعيات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، لكن خطورة هذه المواجهة تكمن في موقعها الجغرافي الحسّاس، إذ تدور في منطقة تُعد من أهمّ مراكز عبور الطاقة في العالم، ما يجعل تأثيرها لا يقتصر على طرفيْ النزاع فقط، بل يمتد ليُهدّد استقرار الاقتصاد العالمي بأكمله.
فإيران تُمسك جزئيًا بورقة ضغط عالمية، من خلال سيطرتها على مضيق هرمز، أحد أهم المعابر الحيوية لصادرات النفط العالمية. وأيّ تهديد لحركة الملاحة في هذا المضيق من شأنه أن يُربك أسواق الطاقة ويُشعل أسعار النفط، بما ينعكس على الاقتصاد العالمي بأسره، خصوصًا في ظلّ هشاشة السوق منذ أزمات سابقة متتالية (الكوفيد على سبيل المثال).
الحرس الثوري الإيراني لطالما تدرّب على سيناريوهات غلق هذا المضيق
وهو ما أكّده الدكتور في العلوم المالية من جامعة أوكسفورد، نادر حدّاد، ضيف برنامج "ميدي إيكو"، اليوم الخميس، الذي أشار إلى أنّ مضيق هرمز، الذي تمرّ عبره نحو 30% من صادرات المحروقات العالمية، يُعدّ أحد أبرز الشرايين الحيوية للطاقة في العالم. وأضاف أنّ الحرس الثوري الإيراني لطالما تدرّب على سيناريوهات غلق هذا المضيق، وهو ما يجعل التهديدات الإيرانية الأخيرة بإغلاقه كليًا أمرًا بالغ الجديّة.
وحسب تقديراته، فإنّ أيّ خطوة في هذا الاتّجاه قد تُرفّع سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية، مع إمكانية ارتفاع كلفة الشحن بنسبة 60% خلال أسبوع واحد فقط من بدء العدوان على إيران. ومع إمكانيّة دخول الولايات المتحدة على خطّ المواجهة، فإنّ أسعار النفط قد تتجاوز حاجز المئة دولار (سعر البرميل الواحد)، مما يُعزّز المخاوف من تحوّل النزاع إلى حرب شاملة قد تجرّ معها حلفاء طهران إلى ساحة الصراع.
هل تُجازف أمريكا بحرب شاملة؟
يرى ضيف برنامج "ميدي إيكو"، نادر حدّاد، أنّ الولايات المتحدة ليست في موقع يسمح لها بقبول ارتفاع جنوني في أسعار النفط، نظرًا لانعكاساته الخطيرة على الاقتصاد العالمي المتأزّم أصلًا. وحسب قوله، فإنّ المشهد اليوم يتأرجح بين خياريْن لا ثالث لهما: "العودة إلى طاولة المفاوضات، أو الانزلاق نحو حرب شاملة قد تكون مدمّرة على الصعيد الاقتصادي". وأضاف: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستُجازف بخوض حرب شاملة".
دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط على شفا أزمة اقتصادية عميقة؟
وتوقّع المتحدّث أن تتوسّع رقعة الصراع، لا سيما وأن الكيان المحتل شنّ هجومًا على دولة قوية ومستعدة لمواجهة أيّ تهديد خارجي، في إشارة إلى إيران. أمّا الوضع الحالي بالنسبة للولايات المتحدة فيتراوح بين خيارين: إما تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية مع إبقاء النظام على حاله، أو الإقدام على قلب نظام الحكم بالقوّة، كما حدث في العراق قبل عقدين من الزمن.
ومع ذلك، فإنّ ''هذه السيناريوهات تحمل في طياتها تهديدات كبيرة للاقتصادات العربية، لا سيما في دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، التي تكاد تكون على حافة أزمة اقتصادية عميقة قد تتطوّر إلى أزمة إنسانية، خصوصا في الدول غير النفطية مثل الأردن''.
أسواق متوترة.. وتضخم مرتفع
وتراجعت الأسهم العالمية وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بالتزامن مع تحذيرات من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بشأن استمرار التضخم. وتراجع مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي بنسبة 0.6%، متجهاً نحو ثالث يوم من الخسائر، في حين انخفض المؤشر القياسي للأسهم الآسيوية بأكثر من 1%. كما تراجعت العقود الآجلة للأسهم الأميركية، بينما ارتفع الدولار أمام معظم العملات الرئيسية.
وتحولت معنويات المستثمرين إلى الحذر بعد تقرير نشرته "بلومبرغ" أشار إلى أنّ مسؤولين أمريكيين كبار يدرسون تنفيذ ضربة محتملة ضد إيران خلال الأيام المقبلة. وتأتي هذه التطورات في وقت خفّض فيه الفيدرالي الأميركي توقعاته للنمو ورفع تقديراته للتضخم، ما يعقّد جهوده لتخفيف السياسة النقدية في ظل استمرار الغموض المرتبط بالرسوم الجمركية.
تقلبات في أسعار النفط وتراجع الذهب
وشهدت أسعار النفط تقلبات مع استمرار حالة الترقب في الأسواق لما سيقرره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول دخول أو عدم دخول الولايات المتحدة في الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران.
وجرى تداول خام برنت بالقرب من 77 دولاراً للبرميل بعد ارتفاع طفيف يوم الأربعاء. ولا تزال الأسعار أعلى بكثير مما كانت عليه قبل اندلاع الهجمات، وسط ارتفاع في تقلبات السوق، وزيادة في التوجّهات السعودية لعقود الخيارات، وارتفاع كبير في علاوات أسعار النفط القريبة مقارنة بالعقود الآجلة الأطول أجلاً.
وتراجع سعر الذهب بعدما طغت تحذيرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن التضخم، والتي أشارت إلى احتمال خفض أقلّ لأسعار الفائدة هذا العام، على الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وجرى تداول العقود الفورية للذهب بالقرب من مستوى 3350 دولاراً للأونصة، بعدما تراجعت بنسبة 0.6% خلال تعاملات، أمس الأربعاء. وكان الفيدرالي قد أبقى أسعار الفائدة دون تغيير، وأشار صانعو السياسات إلى احتمال إجراء خفضين فقط بنهاية العام، فيما أكد رئيس المجلس جيروم باول أن لجنة السوق المفتوحة لا تزال تتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى دفع الأسعار نحو الارتفاع.
وأصدر صانعو السياسات في الفيدرالي توقعاتهم الاقتصادية الجديدة – وهي الأولى منذ بدء موجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في أفريل، والتي أظهرت أنهم يتوقعون تباطؤاً في النمو، وارتفاعاً في التضخم، وانخفاضاً في معدلات التوظيف هذا العام. وقد يؤدي ارتفاع أسعار المستهلكين بشكل ملحوظ إلى تقليص فرص التيسير النقدي، وهو ما يُعد أمراً سلبياً للذهب باعتباره أصلاً لا يدرّ فائدة.
* إعــداد: أمــــل منّاعــــي