الهشاشة النفسية.. هل الجيل الحالي أكثر ضعفا؟
عديدة هي الدراسات والمقالات التي حّللت شخصية الجيل الجديد لتجمع أغلبها كي لا نقول جميعها على أنّ الجيل الجديد هو جيل الهشاشة النفسية والرهاب الاجتماعي مقارنة بالأجيال التي سبقته.
الدراسات ذاتها بينت أنّه رغم هذه الهشاشة الا أنّ هناك نقطة مضيئة يتميز بها هذا الجيل وهي ''الانجاز''! نعم هو جيل هش لكنه ينجز رغم أنه لم يتعرض لما واجهته الأجيال السابقة التي نشأت في بيئة أقل رفاهية منه وقاسية في بعض الأحيان بعيدة عن التكنولويجيا وما تقدمه من رفاهية، قبل الخوض في أسباب الهشاشة النفسية والعاطفية لهذا الجيل دعنا أولا نتعرف على مفهوم الجيل ما هو وكيف نفسره؟
الجيل.. ما هو؟
هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليديا على أنه 'متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم' والجيل، هو مجموعة من الأفراد الذين وُلدوا خلال فترة زمنية محدّدة، وبشكل عام، تُقدّر الفترة الفاصلة بين ولادة مجموعة معيّنة وإنجابها لأبنائها بزهاء 30 عاما
يستعمل هذا المقياس تقليديا لتحديد الأجيال ويقول عالم الاجتماع كارل مانهايم Karl Mannheim الجيل إنّه يجب أن يشترك أفراد الجيل الواحد في عنصرين أساسيين، هما: المولد الجمعي في السياق التاريخي والثقافي نفسه، والشعور بالاشتراك في المصير الاجتماعي والتاريخي نفسه أيضا. الجيل عند مانهايم، هو وضعية متجانسة للشرائح العمرية المتقاربة في فضاء اجتماعي تاريخي.
ومع تعاقب الأجيال نشأ بينها نوع من الخلاف أو الصّراع، اعتبره علماء النّفس والاجتماع ظاهرة طبيعيّة وصحّيّة إذ ما تمّت معالجته، وقالوا بأنَّ التّنوّع والاختلاف بالمجتمعات هما جوهر استمرارها وبقائها. فعمليّة التّجاذب والتّضارب تُعدُّ إحدى أشكال التّفاعلات الاجتماعيّة الّتي تبعد ''التّشابهيّة'' الّتي تجعل الحياة مملّة ورتيبة، فماهي أسباب هذه الهشاشة النفسية التي جعلت هذا الجيل بهذا الضعف وهذه القابلية للكسر والانهيار النفسي؟

جيل الألفية الهش.. هل للوالدين علاقة؟
بيّنت الدراسات أنّ جيل الألفية، يشكِّل هامشاً فارقاً في خارطة الأجيال الحديثة، فهو يعبِّر عن العديد من التحولات والتطورات الاجتماعية والتكنولوجية، ويُعد هذا الجيل جسراً زمنياً يمتد بين نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، ويتسم بتفاعله الفريد مع تحديات العصر.
وقارن الكاتب ديفد بروكس بين الأجيال الجديدة والقديمة، وقال إن الجيل الجديد أكثر هشاشة من الناحية العاطفية، ويكابد الجيل الشاب مشكلات نفسية ويعتري عدد كبير منهم القلق من الحياة اليومية، فبينما كان أسلافه يعتمدون على أنفسهم بشكل أكبر ويتعرضون للمصاعب التي كانت أقرب إلى القسوة، فإن أبناء اليوم يعتمدون بشكل كبير على آبائهم في مواطن شتى.
وبين الكاتب أن الشباب في ما مضى كانوا يعالجون مشاكلهم بأنفسهم، وأنهم كانوا يقومون بالأعمال المرهقة في المصانع وكانوا يكتسبون الصلابة والمتانة في الخدمة العسكرية.
وعودة إلى جيل اليوم، يقول الكاتب ديفد بروكس إن الآباء اليوم هم من يتولى حماية أبنائهم من النكسات والمصاعب، وهو الخطأ الذي يرتكبه معظمهم ما يجعل الأبناء لا يتعلمون كيفية التعامل مع مشاكلهم أو المتعلقة بالنزاع مع الآخرين أو تحمل أعباء العيش وتحمل المسؤولية.
تتجلى الهشاشة النفسية في جيل الألفيى بوصفها تأثيرا نفسيا ينبعث من تفاعلهم مع التحولات الاجتماعية والتكنولوجية السريعة ويتعرض أفراد هذا الجيل لضغوط متعددة قد تؤثر في استقرارهم النفسي .

ماهي علاقة الميديا بالهشاشة النّفسيّة؟
توضّح دراسات العلوم والبيولوجيا بأنّ الإنسان لا يولد هشّاً أو سهل الانكسار، بل على العكس، يولد ومعه جميع الأدوات الّتي تجعله صلباً متماسكاً وقادراً على التّكيّف مع الضّغوطات والمشاكل وتمنحه القدرة على التّعافي واستعادة توازنه الجسدي والنّفسي.
أساليب التّربيّة: تتسبب الحماية المفرطة للوالدين لابنائهم في تربية شاب هشّ، فإنشاء بيئة تربوية يحاط فيها الأطفال بدرجة عالية من الرعاية والحماية يقف أمام محاولتهم خوض التجربة وحدهم وتحمل بعض الصعوبات والتحديات.
بمعنى آخر إنّ أسباب الهشاشة النّفسيّة ليست طبيعيّة بل تتعلّق بالبيئة وبأساليب التّربيّة، حيث يحرص معظم الآباء على توفير جميع رغبات أبنائهم وعدم تحميلهم أيّة مسؤوليّة مقابل أن يذاكروا وينجحوا فقط، غير مدركين للآثار السّلبيّة لهذا السّلوك في إخماد روح التّحدّي وطمس الإرادة بداخل أبنائهم
عالم السّوشال ميديا والإنترنات: لهذا العالم دور أساسي في جذب الجيل الحديث لقضاء ساعات طويلة أمام الشّاشات وخلف مؤشّر البحث، ما يمنعهم من الخروج والاحتكاك المباشر بالطّبيعة والأقران، وهي أمور تفاقم من حدّة المشكلة.
وسائل التواصل الاجتماعي: وقد تعزز وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي رغم أنه غير واقعي، مقارنة غير صحية بين الأفراد فيشعر الكثيرون بالضغط لتحقيق انجازات مشابهة لأقرانهم. كما يؤدي التعرض المستمر لصور النجاح والسعادة على المنصات الى شعور البعض بعدم الرضا عن الذات ةالضغط النفسي
إدمان الشاشات: يؤدي الاعتماد الكبير على الاجهزة الذكية إلى العزلة الاجتماعية وتقليل التفاعل الشخصي وهذا يؤثر في جودة العلاقات الاجتماعية. كما يؤثر تغير العلاقات الاجتماعية التي تحولت إلى التواصل الرقمي على شخصية هذا الجيل الذي فقد التواصل العاطفي المباشر .

سبل التغلب على هشاشة النفسية
يمكن للأباء أن يساعدوا أطفالهم على التغلب على الهشاشة النفسية من خلال التوعية النفسية، بمعنى مساعدتهم على فهم مشاكلهم والبحث عن الدعمم اللازم، والتحدث المفتوح معهم وتطوير مهارات تحمل المسؤولية ومساعدتهم ايضا على تحديد أهدافهم وتوجيههم.
وفي الختام، "إن تنشئة طفل قوي أسهل بكثير من محاولة إصلاح رجل مكسور وضعيف"، هذه المقولة الشهيرة نوجها للأباء والأمهات الذين عليهم أن يقوموا بتقوية شخصية أطفالهم ابتداءً من سن مبكر، لأنهم على الرغم من أن الهدف الاساسي لهم هو ضمان راحة وحمياة أطفالهم الا أنه بعض الأحيان النتيجة تكون مناقضة .