languageFrançais

الصحافة في زمن الأزمات: تجربة أشرف عبيد في تغطية الحروب والكوارث

هل يمكن للصحفي أن يظل مجرد ناقل للخبر حين يكون على بعد ذراع من وجه الضحية؟ وصوت انفجار أقرب من نبض القلب؟ وهل يكفي أن تحمل الكاميرا لتصوّر الألم، أم أن ثمن أن تكون شاهدا في ساحات الموت هو أن تترك جزءًا منك هناك في كل مرة؟ وهل من حق الصحفي أن يخاف في مواجهة الموت على ميدان عمله؟ 

بهذه الأسئلة وغيرها، يخوض الصحفي أشرف عبيد تجربته المهنية في أخطر مناطق العالم، حيث تتقاطع الصحافة مع الشهادة، والمعلومة مع الدم. ليس مجرد مراسل ينقل مشاهد الحرب أو الكارثة، بل شاهد يعيش الألم ويعيد صياغته سرديًا، محافظًا على توازنه بين الواجب الأخلاقي وثقل المعايشة.

من ميادين الحروب إلى مواقع الكوارث الطبيعية، يخوض الصحفي الميداني التونسي أشرف عبيد مغامرات مهنية محفوفة بالخطر، مدفوعًا بشغف عميق لنقل الحقيقة وإيصال صورة حية للمعاناة الإنسانية أينما كان مكانها.

"أنا لست هناك لتغيير العالم، بل لنقل ما يحدث بكل صدق"، هكذا يلخص الصحفي والمراسل الحربي أشرف عبيد جوهر مهمته الصحفية، في حديث عن تجربته الطويلة في تغطية النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية في عدة بلدان، خلال استضافته في برنامج واحد من الناس مع شاكر بسباس.

منذ تجربته الأولى في تغطية زلزال وتسونامي إندونيسيا سنة 2018، أدرك عبيد أنه لا يمارس مهنة عادية، بل يعيش "مغامرة معقدة" تكشف هشاشة الحياة وقسوة الواقع، لكنها تمنحه في الآن ذاته "فرصة لإثبات الذات"، كما يقول.

يرى عبيد أن مهمة الصحفي الميداني، وخاصة في مناطق الأزمات، تقوم على أن يكون "شاهدًا على العصر" و"عينًا للناس" في أماكن لا تصلهم أخبارها إلا من خلال الكاميرا والصوت. ويؤكد: "وظيفتي الأساسية أن أنقل الحقيقة، أن أروي قصص الناس، أن أكون وسيلة للوعي، لا بديلاً للمنظمات الإنسانية".

ومع ذلك، لا يخفي عبيد شعوره العميق بالعجز أحيانًا أمام المآسي التي يشهدها. "أقسى لحظات العمل هي عندما ترى ضحايا يحتاجون إلى المساعدة، ولا تملك إلا أن تصور وتوثق"، يقول عبيد، قبل أن يضيف: "لكن إذا رأيت إنسانًا في خطر، أُسارع لمساعدته قبل أن أفكر في الكاميرا... الأولوية دائمًا للإنسان حسب قناعتي".

تدريب على الحياة والخطر

العمل في هذه البيئات لا يقتصر على المهارات الصحفية فقط، بل يتطلب تجهيزًا جسديًا ونفسيًا. يؤكد عبيد أنه تلقى تدريبات في الإسعافات الأولية وتقنيات النجاة في ظروف قاسية. "يجب أن تكون قادرًا على وقف نزيف أو إنقاذ حياة، ريثما تصل فرق الإنقاذ"، يشرح الصحفي الذي يعمل مع قناة فرونس 24 الفرنسية.

ويصف عبيد لحظات مرعبة عاشها خلال تغطية الحرب في أوكرانيا، حيث اضطر للاختباء لخمس ساعات في ملجأ تحت الأرض بعد قصف عنيف، وكان يخشى أن يبدأ الروس اقتحام المنطقة وهو ما يزال هناك. كما تعرض في مناسبات أخرى للقصف بالفسفور الأبيض، ونجا من سقوط صواريخ على مبانٍ كان يعمل بداخلها. "الموت حاضر في كل لحظة، لكن التفكير فيه لا يفيد... عليك أن تواصل مهمتك"، يصرّح عبيد في إجابة عن سؤال ''ألا تخاف الموت؟''.

أثر نفسي لا يُمحى

الحرب ليست فقط مشهدًا للدمار، بل هي أيضًا امتحان للنفس. يشير عبيد إلى أنه، بعد أولى تغطياته المؤلمة، لجأ إلى مختص نفسي، "ليس لأنني مصاب باضطراب، بل لأتخلص من الثقل الداخلي وأتصالح مع ذاتي"، على حدّ قوله. ويعترف أن هذه المهنة "تغيّر نظرتك إلى الحياة وتجعلك أكثر فهمًا للناس وأكثر بساطة في أسلوب عيشك".

هذا التغيير لم يقتصر على المستوى النفسي، بل شمل حياته اليومية أيضًا. أصبح عبيد "أكثر حذرًا" في تصرفاته، و"أكثر تقديرًا للعلاقات الإنسانية"، بعد أن كاد يفقد نفسه وسط التنقل الدائم من بلد إلى آخر. لكنه يؤكد اليوم على أهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية، مشددًا: "العمل ليس كل شيء، العائلة والأصدقاء ضروريون للاستمرار".

صحفي بحس إنساني

رغم صعوبة الظروف، ما تزال شعلة الشغف متّقدة في داخله. "هذا العمل في دمي"، يقول عبيد، ويضيف: "أشعر برغبة دائمة في أن أكون شاهدًا، أن أروي القصص المنسية، أن أعيش المغامرة مرة أخرى".

وبين خطوط النار أو تحت أنقاض الكوارث، يبقى الصحفي أشرف عبيد نموذجًا للمراسل الذي يتجاوز حدود المهنية الجامدة، ليجعل من عمله وسيلة لفهم العالم، والتفاعل مع ألمه، دون أن يفقد بوصلته الأخلاقية أو صدقه المهني.
 

أمل الهذيلي

لمشاهدة المقابلة الكاملة مع الصحفي التونسي أشرف عبيد، يمكنكم الاطلاع على الرابط التالي: