languageFrançais

وصلت حدّ إقصاء الشاهد من 'عشاء بروتوكولي': ماذا يخفي صمت القصور؟

آخر صورة جمعت بينهما، كانت في 28 ديسمبر 2018، في قصر قرطاج، محاطيْن بوجوه سياسية وحكومية ونقابية.. ولأنّ الصورة قد تقول ما لا تفصح به الألسن، ظهر الجليد الذي تكوّن منذ مدة بين الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد، واضحا في نظراتهما المتباعدة.. وبدا رئيس الحكومة شارد الذهن غير مبتسم ولا ينظر إلى الكاميرا، على غير عادته.
هذا الشتاء السياسي الجليدي في العلاقة بين رأسي الدولة، ليس مجرّد تكهنات أو تحاليل أو تسريبات، فساكن قرطاج لم يستقبل رئيس الحكومة –الذي لا يفوّت مناسبة لتذكيرنا بأنه هو من اختاره- ذلك الاستقبال الدوري الثنائي الذي إعتدناه معنونا بـ ''لقاء ثنائي إستعرض فيه الطرفان المستجدات في البلاد''، منذ 5 نوفمبر 2018، وإكتفى رئيس الدولة بدعوته إلى اللقاءات البروتوكولية التي تقام على شرف ضيوف أجانب. وشهر نوفمبر كان شهر ''إعلان الإنفصال''، مع إستقالة رئيس الديوان الرئاسي سليم العزابي ''المحسوب على الشاهد''، والذي يبدو أنه أراد أن يتفرغ لمهامه ''في تأسيس المشروع السياسي الجديد''.


''حادثة حفل العشاء''


ولإختصار توصيف علاقة الرجلين اليوم، فهي تتلخص في مراسلات رسمية وإتصالات شكلية معدودة، كما تقول مصادر، أن رئيس الجمهورية لم يعد يُستشار في التعيينات التي يقررها رئيس الحكومة ''إلا من باب الإعلام''.
بل ذهب الأمر، في تأكيد القطيعة شبه الكلية بين الرئيسين، إلى تسريب مصادر من القصبة بأن الشاهد كان مدعوّا مؤخرا في قصر قرطاج إلى حفل عشاء على شرف الرئيس السينغالي، ثم ''تم إعلامه بتراجع رئاسة الجمهورية عن دعوته'' !
ويتفق بعض العارفين بخبايا توتر العلاقة بين القصبة وقرطاج، على أن رئيس الجمهورية هو من بادر بقطع علاقته بمن اصطفاه لرئاسة الحكومة، وعلى إصراره على تنحي الشاهد وحكومته لتعيين أخرى  غير متحزبة، رغم كل المُعلن في خطاباته الرسمية وحواراته الصحفية، ومحاولته الظهور على الحياد، أو كما لو أنه متعالٍ على ''الحرب المعلنة'' بين ابنه حافظ قائد السبسي والشاهد..


''..وفشل لقاء الشيخين''

يوم الثلاثاء الماضي، جلس رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي حوالي ساعة من الزمن مع رئيس الدولة، في لقاء غير معلن جرى في مقر إقامة الرئيس الرسمية وبطلب من زعيم الحركة. وحسب مصادر موزاييك، ''فقد حاول الشيخ عبثا إقناع الرئيس بإعادة نفخ الروح في التوافق الذي لفظ أنفاسه..دون أن يخرج بنتيجة تذكر''، خاصة أن قائد السبسي ''تعمّد طوال اللقاء الفصل بين علاقته الشخصية بالغنوشي وعلاقة النهضة بالنداء وبرئاسة الجمهورية''.
هذا اللقاء الذي تصفه ''كواليس قرطاج'' بالفاشل، قد يضع حدا لما يروج عن عودة المياه إلى مجاريها بين ''الشيخين''، ويجهض القول بوجود طبخة سياسية جديدة لإحياء علاقة التوافق التي أنجبتها نتائج إنتخابات 2014.
من جهتها، حاولت بعض الأطراف استثمار لقاء الغنوشي والباجي في ''بورصة الحسابات الانتخابية'' في ظل صعود أسهم الشاهد مع اقتراب موعد الإعلان عن مشروعه السياسي الجديد، وأشاعت في الأوساط السياسية أن النهضة ورئيس الجمهورية عازمان على استئناف التوافق السياسي لعزل الشاهد ووأد مشروعه السياسي. لكن خيبة أمل أصابت هذه الأطراف بعد فشل لقاء الشيخين وعدم الخروج منه بأي نتيجة تذكر. 


ولئن بدت العلاقات المتوترة بين شيخي السياسة وقصري قرطاج والقصبة، تنذر بشتاء سياسي متقلب، مع إحتمالات مفتوحة، قد تنتهي بعودة حبل التوافق لكن مع كلفة "باهضة" قد تتحملها النهضة الراغبة في استرجاع علاقتها بالنداء الذي يتهمها بالعمل على تشتيته والتقسيم بين مكوناته، إلى درجة إيهام البعض بإمكانية تأسيسهم لحزب يضاهيه.. وفي حال لم تتم هذه العودة في العلاقات بين الحزبين، فعلى من سيراهن الغنوشي في الإنتخابات الرئاسية القادمة؟