languageFrançais

علي بلهوان: المثقف العضوي الذي سبق زمنه ومات في ظله..

خلال استضافته في برنامج ''واحد من الناس''، عاد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بولبابة سالم على مسيرة علي بلهوان مبرزًا إسهاماته في بلورة مفهوم الأمة التونسية المستقلة، ودعواته المبكرة إلى إقامة برلمان تونسي. 

كما ناقشت الحصة تأثّر  النخب التونسية آنذاك بأفكار الحداثة السياسية الغربية، لاسيّما النماذج الدستورية والبرلمانية، وكيف سعوا إلى مواءمتها مع الواقع المحلي. وتناول النقاش النهاية المأساوية لعلي بلهوان، التي جاءت نتيجة خلافه مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

تُعدّ ثلاثينيات القرن الماضي في تونس "العصر الذهبي" و "مرحلة تحوّلات كبرى" على المستويين الثقافي والسياسي. وحسب ضيفنا بولبابة سالم، فإن عوامل عدّة ساهمت في تشكيل هذه النهضة التونسية وصناعة رموزها. 

في هذه الفترة، برز جيل جديد من الشباب التونسي المتعلّم، خريجو المدرسة الصادقية ومؤسّسات التعليم الفرنسي، وبعضهم تابع دراسته في فرنسا، على غرار علي بلهوان الذي درس في جامعة ''السوربون''. هذا التكوين فتح أمامهم آفاقًا فكرية جديدة ووسّع أفق النخبة التونسية، يقول ضيفنا. كما يمثل انعقاد المؤتمر الإفخارستي سنة 1930 في قرطاج، "كأول مؤتمر من نوعه يُقام في بلد عربي مسلم، أثار صدمة وطنية وشعورًا جماعيًا بالخطر، فدفع التونسيين إلى الدفاع بشراسة عن هويتهم الوطنية"، وكان ذلك لحظة حاسمة في تبلور فكرة "الأمة التونسية".

صعود نُخبة فكرية وسياسية ملتزمة

ظهر في هذه المرحلة جيل من النخبة المثقفة التي فهمت تعقيدات الواقع التونسي وسعت إلى الربط بين الثقافة والسياسة، ولم تكن منفصلة عن هموم الناس. وصدرت صحف كثيرة مثل "الزهرة"، "الأمل"، "الأمة"، الصباح، النجاح، وكلها ساهمت في نشر الأفكار الجديدة. وشهدت الفنون أيضًا نهضة، أبرزها نشاط فرقة الرشيدية في الموسيقى.

ويواصل ضيفنا الكاتب الصحفي حديثه عن تلك الفترة، ''برزت مجموعة من الشباب تحمل فكرًا جديدًا، فانشقت عن الحزب الدستوري القديم وأسست سنة 1934 في مؤتمر قصر هلال حزبًا جديدًا هو الحزب الحر الدستوري الجديد (النيودستور) بقيادة الحبيب بورقيبة''.

ويتابع مفسّرا أنه وفي قلب هذه النهضة، برزت أفكار أساسية رَوّجت لها هذه النخبة، من بينها  فكرة "الأمة التونسية" و"الشخصية التونسية".  وأضاف ''كان علي بلهوان والحبيب بورقيبة من أبرز المدافعين عن هذا المفهوم، الذي اختلف عن رؤية عبد العزيز الثعالبي. فهم أكّدوا على خصوصية تونس بحدودها وثقافتها، ورأوا أنها تملك كل الشروط لتكون أمة قائمة بذاتها'.

الحداثة السياسية

من خلال المطالبة بـبرلمان تونسي والمساواة بين التونسيين والفرنسيين، عبّرت هذه النخبة عن فهم جديد للسياسة، يقول بولبابة سالم. وكان البرلمان في ذلك الزمن ''يُعدّ قمّة التقدّم السياسي''، وكانت تونس في مطالبة نخبتها به ''فريدة من نوعها في المنطقة'' وفق محدثنا. هذه الفكرة تأثرت بالمبادئ الأوروبية لعصر الأنوار، وخاصة مسؤولية الحكومة أمام الشعب وتمثيله في السلطة.

علي بلهوان: مثقف عضوي ورجل مرحلة

من بين كل هؤلاء، يبرز علي بلهوان كإسم لامع. لم يكن مجرد مُفكر، بل كان ما يُسمّى اليوم بـ"المثقف العضوي" الذي يربط الفكر بالفعل. درّس في الصادقية، وألهم جيلًا كاملًا من الشباب، حتى لُقّب بـ "زعيم الشباب" . وشدد سالم في هذا السياق، على أن بلهوان في خطاباته ومحاضراته، تحدّث عن بشاعة الاستعمار وأشاد ببطولات المقاومين، وطالب صراحة بإنشاء برلمان تونسي. كتب أيضًا في هذا الشأن، أبرزها كتابه "نحن أمة"، ما جعله من روّاد الحداثة السياسية في تونس، بمطالبه الجريئة، وأسلوبه المباشر، وموقفه الصلب ضد الاستعمار الفرنسي دون مساومة أو مصلحة شخصية.

ورغم انتشار الأمية في تلك الفترة، وصلت هذه الأفكار إلى عامة الناس عبر اللقاء المباشر. كان أمثال بلهوان وبورقيبة يتنقلون بين المدن والقرى، يخاطبون الناس في الساحات، ويفسّرون لهم عن معنى "أمة" و"برلمان"، ويزرعون فيهم بذور الوعي السياسي.

ويخلص بولبابة سالم إلى أن تبنّي النخبة التونسية لفكرة الحداثة السياسية الغربية لم يكن "تقليدًا أعمى"، بل كان خيارًا مدروسًا. وهو ما سهّل بروز هياكل حديثة كالأحزاب، في وقت كانت فيه المجتمعات الأخرى ما تزال محكومة بالقبيلة والجهوية.

* أمل الهذيلي

لمتابعة الحوار كاملا ومعرفة تفاصيل خلاف علي بلهوان مع بورقيبة، يمكنكم مشاهدة الحلقة على يوتوب: