languageFrançais

السلامي: الإصلاح الجبائي مسار وطني تشاركي لا تقوده الإدارة وحدها

أكّد إسكندر السلامي، المستشار الجبائي وعضو الجمعية التونسية للحوكمة الجبائية، في تصريح لموزاييك، على أنّ الإصلاح الجبائي في تونس لا يمكن أن يكون مجرّد إجراء إداري تقوده الإدارة الجبائية وحدها، بل هو مسار وطني شامل يفترض الانطلاق من مقاربة تشاركية حقيقية تقوم على الحوار مع مختلف الأطراف المعنية، وفي مقدمتها المواطنون، والمهنيون، والخبراء، ومكوّنات المجتمع الاقتصادي.

إدارة الحوار حول الإصلاح الجبائي

وشدّد السلامي على أنّ أيّ مراجعة جديّة للمنظومة الجبائية يجب أن تكون منسجمة مع المبادئ الدستورية والمبادئ العامة للقانون الجبائي، وأن تُبنى على تشخيص موضوعي للاختلالات، لا على مقاربة فوقية تفرضها الإدارة ثم تُعرض لاحقًا على أطراف محدودة التأثير.

وأوضح إسكندر السلامي أنّ مشاريع الإصلاح السابقة اتّسمت بضعف التشاركية، إذ لم يكن المواطنون ممثّلين بشكل فعلي، كما لم يقع إشراكهم إلا شكليًا عبر منصات إلكترونية دون أن يكون لآرائهم تأثير حقيقي في تحديد أهداف الإصلاح أو مساراته. 

واعتبر المستشار الجبائي، أنّ إدارة الحوار حول الإصلاح الجبائي يجب أن تكون محايدة، لا بيد جهة متدخلة أو منتفعة من المنظومة القائمة، ضمانًا للموضوعية والانسجام مع المعايير الدولية، وتحقيقًا لمبدأ العدالة الجبائية.

اختلالات هيكلية تهدّد العدالة والاستقرار المالي

وتتلاقى هذه التصريحات مع ما كشفه المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في دراسة وطنية شاملة رُفعت إلى رئاسة الجمهورية، حذّر فيها من اختلالات هيكلية عميقة في النظام الجبائي التونسي، مؤكدًا أن مواصلة العمل بالمنظومة الحالية من شأنه تهديد التوازنات المالية، وتقويض العدالة الاجتماعية، وإضعاف قدرة الدولة على تحقيق أهداف رؤية تونس 2035.
وبيّنت الدراسة أن الضغط الجبائي بلغ سنة 2024 حوالي 25,2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في الدول ذات الدخل المتوسط، متجاوزًا المغرب وقريبًا من تركيا. 
غير أن هذا الضغط المرتفع لا يقابله مردود مالي فعلي، إذ قُدّرت فجوة التحصيل الجبائي بأكثر من 5,2 مليار دينار سنويًا.

ضرائب غير مباشرة ترهق الفئات الضعيفة

وأظهرت الأرقام هيمنة الضرائب غير المباشرة، التي تمثل أكثر من 57% من الموارد الجبائية، مقابل 42% فقط للضرائب المباشرة، في تركيبة تُخالف المعايير المعتمدة في الدول المتقدمة. 

وتُعدّ الضريبة على القيمة المضافة الركيزة الأساسية للجباية التونسية، ما يكرّس طابعًا رجعيًا للمنظومة، تتحمّل فيه الفئات محدودة ومتوسطة الدخل عبئًا ضريبيًا أكبر نسبيًا من الفئات الأكثر ثراءً.

وتكشف المؤشرات الاجتماعية عن مفارقة لافتة، إذ يخضع أفقر 10% من السكان لضغط جبائي أعلى من ذلك المسجّل لدى أغنى 10%، في تناقض صارخ مع مبدأ القدرة على الأداء الذي يُعدّ حجر الأساس في العدالة الجبائية.

اقتصاد غير مُنظّم وحوكمة ضعيفة

كما سلّطت الدراسة الضوء على توسّع الاقتصاد غير المنظم، الذي يمثّل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ما يحرم الدولة من موارد هامة ويُخلّ بمبدأ المنافسة العادلة. واعتُبر النظام التقديري من أبرز مظاهر اللاعدالة، إذ يضم قرابة 40% من دافعي الضرائب، لكنّه لا يساهم إلا بنسبة هامشية في الموارد الجبائية.

وفي السياق ذاته، كشفت المعطيات عن أزمة ثقة عميقة بين المطالبين بالأداء والإدارة الجبائية، حيث لا يصرّح طوعًا بمداخيله سوى ثلثهم تقريبًا، فيما عبّر أغلب رجال الأعمال عن عدم رضاهم عن النظام الجبائي، معتبرين أنّه يُمارَس كأداة عقاب لا كرافعة للتنظيم والتنمية.

نحو إصلاح جبائي سيادي وشامل

ودعا المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية إلى إصلاح جبائي استراتيجي يقوم على ستّة محاور رئيسية، من بينها رقمنة الإدارة الجبائية، وتعزيز تصاعدية الضريبة على الدخل، وإدماج الجباية البيئية، وتدعيم الجباية المحلية، إضافة إلى مكافحة التهرب الجبائي الدولي.

وفي ختام دراسته، شدّد المعهد، كما أكّد إسكندر السلامي، على أن الإصلاح الجبائي ليس مجرّد مسألة تقنية أو مالية، بل هو مشروع سيادي لإعادة بناء العقد الاجتماعي، وترسيخ الثقة بين المواطن والدولة، وضمان تمويل عادل ومستدام للسياسات العمومية، بما يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي، والإنصاف الاجتماعي، والاستدامة البيئية.

صلاح الدين كريمي

share