languageFrançais

بين الوظيفة والأطفال.. هل تُحقّق الأم العاملة التوازن المنشود؟

تختلف حقوق الأم العاملة من بلد إلى آخر، لكنّها تجمع تقريبا على حقوق أساسية تشمل إجازة الأمومة وحقّ العودة إلى العمل، وحماية من الفصل التعسفي بسبب الحمل أو الولادة، وتعد الدول الاسكندنافية الأفضل في العالم التي يمكن الإنجاب فيها بحسب موقع "إنهابيتات"، فهي تعمل قدر الإمكان على توفير الرفاهية والراحة للأسر.

ورغم التقدّم المُحرز في حماية الأم العاملة ودعم وتطوير حقوقها، أفاد تقرير صادر عن منظّمة العمل الدولية بأنّ معظم نساء العالم مازلن غير محميّات في العمل! وأنّهن مايزلن يخضعن للعقاب بسبب إنجاب ورعاية أطفالهن.

الأم العاملة في تونس.. حقوق حمائية ولكن

تُفيد 'وثيقة برلمانية' بأنّ أكثر من 70% من النساء العاملات في تونس هنّ أمهات وأنّ أكثر من 75% منهن  يتكفّلن بتربية الأطفال.

هذه الأم العاملة تتمتع بجملة من الحقوق الحمائية في الوظيفة العمومية والقطاع العام وبدرجة أقل في القطاع الخاص، وهي حقوق تشمل فترة الحمل وعند الولادة وإثرها، لكن رغم أهميتها، بقيت هذه الحقوق منقوصة لعقود، اعتبارا أنّها لم تضمن النهوض بالشأن الأسري، حيث تشير الوثيقة ذاتها إلى أنّ التغيّب عن العمل لأسباب عائلية، مثل مرض الأطفال وغيرها، يؤدي في أغلب الحالات إلى طرد الموظفات، كما يُبدي القطاع الخاص تردّدًا في انتداب الأمهات، خاصة اللواتي لديهنّ أطفال صغار.

كل ذلك، جعل من تطوير التشريعات، خاصّة في علاقة بعطل الأمومة والأبوة شيئا حتميا، وهو ما تمّ فعلا في أواخر شهر جويلية من السنة الفارطة (31 جويلية 2024) حيث صادق مجلس نواب الشعب، على مشروع قانون تنظيم عطل الأمومة والأبوّة في الوظيفة العمومية وفي القطاع العام والقطاع الخاص، يرتكز أساسا على توحيد عطلة الأمومة والأبوة ومواكبة التغييرات الاجتماعية.

اعتنى القانون بالوضع الخاص للأبوين حيث خصهما ببعض الإجراءات الرامية إلى تمكينهما من العناية بأطفالهما في ظروف معينة، واعتبر  القانون مكسبا للأمّ العاملة وتعزيز تماسكها ودعم توازنها والنهوض بقدراتها على التنشئة.

تطوير التشريعات مكسب وخطوة مهمة، ومهما كانت التنقيحات بسيطة فإنّها حتما تصب في صالح المرأة والأم العاملة، لكن هل يقتصر دور الأم على الولادة ورعاية الطفل الرضيع؟.. طبعا لا، فالأم تلعب دورًا محوريًا في حياة الأبناء في جميع مراحل نموهم، وتأثيرها يمتد ليشمل جوانب حياتهم المختلفة.

التونسيات.. كيف حالهنّ بعد الولادة؟

تحديّات نفسيّة وعمليّة تُواجهها الأم العاملة في تونس بعد انتهاء عطلة الأمومة، ولطالما مثّل التوفيق بين العمل والاعتناء بالأسرة تحديًا لها، وازدواجية أدوارها صعّب هذه المهمة.

هذا 'التوازن المنشود' لا يمكن للمرأة أن تحقّقه بنفسها مهما كانت مثالية فالأمر يتطلب تضافر الجهود من الأم والأسرة وأصحاب العمل، والمجتمع ككلّ.

وخطوة نحو 'المنشود'، تقدّم عدد من النواب بمقترح قانون أساسي يهدف لضمان تمكين الأمهات العاملات من التوفيق بين الحياة المهنية والعائلية من خلال إجراءات حمائية وتحفيزية تطبق في القطاعين العمومي والخاصّ، فكيف ذلك؟

منح وإجازات وتوقيت عمل خاص..

مقترح قانون قابل للتعديل، يتضمن 15 فصلا يتنزل في إطار التوجّه الاجتماعي للدولة، وضمان سلامة الأسرة، هكذا قدّم النائب يسري بوّاب هذا المشروع.

ويقرّ المقترح منحا اجتماعية، للأم العاملة تتمثّل في منحة أمومة شهرية مرتبطة بعدد الأطفال دون سنّ الـ12 من خلال تقديم 150 دينارا للطفل الأوّل و100 دينار عن كلّ طفل إضافي، ومن أهم فصوله:

* إلزام المؤسسات الكبرى توفير فضاءات حضانة أطفال أو التعاقد مع حضانات معتمدة.

* المرونة المهنية من خلال إقرار الحق في العمل الجزئي (نصف يوم أو عن بعد) مع ضمان المردودية دون المساس بالحقوق المهنية للمرأة أو أجرها.

* إجازات عائلية مرنة وتوفير أيام راحة استثنائية للأمهات خلال الحالات الطارئة المرتبطة بصحة الطفل (5 أيام في السنة لا يتم اقتطاعها من العطلة السنوية).

* تجريم الطرد أو الاقصاء الوظيفي بسبب الأمومة ووضع آلية تبليغ إداري تحمي الموظفة دون تعريضها للهرسلة.

* امتياز مهني للأم الراعية لطفل من ذوي الإعاقة أو اضطراب طيف التوحد.

* تمكين النساء الحوامل أو المرضعات من تأجيل أو إعادة جدولة الامتحانات المهنية لضمان ظروف تقييم عادلة ومتوازنة.

وأكّد النائب يسري بوّاب أنّ المقترح يشمل كلّ النساء العاملات في القطاع العام والوظيفة العمومية والقطاع الخاص والمؤسسات العمومية ذات الصبغة غير الإدارية والعمل المستقل قانونا. وكشف أنّه تمّ اقتراح طرق تمويل مبتكرة لضمان تطبيق هذا القانون حتى لا يتمّ إثقال كاهل الدولة بمصاريف إضافية.

ختاما وباختصار، ركيزة الأسرة الأساسية هي الأم، ودورها يتجاوز مجرد الولادة ورعاية المولود بكثير، هي المربية، القدوة، وداعمة رحلة نمو أطفالها وهي ليست 'مجرّد نصف' بل هي أساس المجتمعات، فهل يساعد مشروع القانون الجديد الأم العاملة في تونس على تحقيق 'التوازن المنشود' بين العمل والعائلة؟

*أميرة عكرمي

share