languageFrançais

فلسطين.. قصص تونسيين منسيين استشهدوا لأجلها وفيها !

علاقة التونسيين مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية وامتزاج دمائهم، لم تكن وليدة أحداث ''حمام الشط'' وما عرف بعملية ''الساق الخشبية''، بل هي تعود إلى أقدم من ذلك بكثير، إلى الثلاثينات حتى.. المحلل السياسي الجمعي القاسمي  سرد لنا خلال استضافته في برنامج ''واحد من الناس'' بعض المحطات التاريخية التي رسمت فيها الدماء التونسية حروفا من ذهب في الصراع العربي الصهيوني منذ بدايته..

تاريخ اعتبر ضيفنا أنّه لم يول الاهتمام الكافي من المؤرخين التونسيين سواء في إطار التأريخ للوجود التونسي في الصراع العربي الصهيوني بشكل عام أو في المقاومة الفلسطينية في شكلها الحالي..

أول شهيد تونسي في فلسطين..عام 1936 !

إبّان الانتفاضة الكبرى في فلسطين المحتلّة تحت الانتداب البريطاني، سنة 1936، يؤكد المؤرخون أن شابا تونسيا كان يدرس في القاهرة (ويختلف المؤرخون بين دراسته في جامعة الأزهر أو جامعة شمس)، تسلّل من مصر إلى غزة ومنها إلى الضفّة الغربية أين التحم مع الجماهير الفلسطينية التي كانت تنادي بإسقاط الانتداب البريطاني، واستشهد هذا الطالب الشاب هناك.. وقصته هي إحدى البدايات المعروفة والتي وُجد لها أثر عن بداية امتزاج الدم التونسي بالفلسطيني. يقول ضيفنا ''في مجمل المحطات التاريخية البارزة للصراع العربي الصهيوني كان التونسي دائما متواجدا كرقم فاعل وكعنصر له قيمة مضافة في المشهد سواء كان من مصر فلسطين وصولا إلى سوريا ولبنان''. 

''التونسيون تطوّعوا بالآلاف في حرب 1948 بلا أي تنظيم أو جهة سياسية''

"الجغرافيا في شكلها السائد في تلك الفترة كانت تسمح بذلك، كانت الحدود مفتوحة.. والمسألة لم تكن مرتبطة بموقف سياسي، الشعب التونسي بوجدانه كان يتسابق لأن يكون حاضرا بجسده ودمه للدفاع عن قضية عادلة ونبيلة..''، يؤكد القاسمي.

''في اعتقادي كانت التجارب فردية لا تنظيمية، حتى التنظيمات القومية واليسارية التونسية لم تكن أدوارها تتجاوز تأطير عملية المساندة للقضية الفلسطينية، لكن الوجود التونسي في ساحة المعركة كان قرارا فرديا". ويواصل ضيفنا التأكيد على هذا الطرح قائلا ''لم تطلب هذه الأحزاب من التونسيين الانضمام إلى صفوف المقاومة، ولم يكن لها دور تنظيمي. 

ودليل على ذلك تواجد التونسيين في مختلف الفصائل المسلحة الفلسطينية بمختلف مشاربها وخلفياتها السياسية. وفي تونس لم يفتح مكتب تطوّع، حتى في حرب 1948، شارك التونسيون عن طواعية وبطرقهم الخاصة من ليبيا ذهابا إلى مصر وصولا لفلسطين.. وذلك كان طريق ''الحج إلى القدس'' سابقا.. يقول المؤرخون أن حوالي 3000 تونسي تطوّعوا حينها، لكن عديد الشهادات تقول أن عدد من تطوّعوا في صفوف الجيش العربي من التونسيين كان ضعف ذلك أو أكثر، للأسف لم يتم توثيق هذه المرحلة كما يجب ولم تكن عملية مؤطرة..كانت البلاد ترزخ تحت الاستعمار''. 

وعن عدد الشهداء التونسيين في هذه الحرب يقول ضيفنا ''يتحدث المؤرخون عن عشرة شهداء تونسيين، لكني أعتقد أن عددهم أكثر بكثير..''

مهندس تونسيّ شارك في التخطيط لعملية تأميم قناة السويس ! 

في 1956، عمل مهندس تونسي في قناة السويس، وشارك في عملية التأميم "بل أعطى مفاتيح وخططا لطرق التقدّم والسيطرة على القناة وكان أحد مهندسي العملية وأحد المسؤولين على نجاح العملية''، وفق ما أكده المحلل الجمعي القاسمي. ويواصل ضيفنا مؤكدا ''الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تطرّق في أكثر من مناسبة في خطاباته لهذا المهندس التونسي وأقرّ بدوره في العملية، بينما نحن في تونس لم نول هذا المهندس الاهتمام الذي يستحقه''. 

وفي حرب 1967، عندما أعلن عبد الناصر الدخول في "حرب الاستنزاف" وبدأ العمل الفدائي، عديد التونسيين كانوا في الصفوف الأمامية وفي ''خلايا الفدائيين''، وأشادت الصحافة المصرية حينها بذلك.. ''السلطات المصرية تقرّ ببسالة وشجاعة التونسي ومشاركته في عمليات نوعية في هذه الحرب، وسقط عديد التونسيون كجرحى أو شهداء في تلك المعركة..''

رسميا.. تونس قدّمت ثاني دفعة سلاح لمنظمة التحرير الفلسطينية !

يواصل ضيفنا حديثه عن المشاركة التونسية الفاعلة في الصراع العربي الصهيوني وفي دعم المقاومة الفلسطينية في حرب التحرير، ويقول إن ''التواجد التونسي في إطار الفصائل الفلسطينية في فترة السبعينات، كان لتونسيون ينتمون فكريا أو سياسيا لأحزاب أو منظمات تونسية، وكان المد اليساري القومي هو الطاغي عربيا حينها، ومن يلتحق من التونسيين بصفة فردية إلى المقاومة المسلحة في فلسطين، يميل إلى الانضمام إلى الفصائل الفلسطينية اليسارية، على غرار جبهة التحرير وحركة فتح...

في مذكراته، يذكر محمد مزالي الوزير الأول زمن حكم الحبيب بورقيبة، أن ثاني دفعة سلاح قدمت إلى منظمة التحرير الفلسطينية بعد تشكلها، كانت تونسية وقُدمها الجيش التونسي بشكل رسمي. ويعلّق ضيفنا ''كانت دفعة بسيطة لسلاح صيني، لكن رمزية ذلك كانت كبيرة''. 

يشدّد محدثنا على أنّ التونسي ''لم يبخل عن تقديم الدعم بقدر ما يستطيع للثورة الفلسطينية وصولا إلى دمه، لذلك نجد أن عشرات التونسيين سقوا أرض فلسطين وجنوب لبنان وسوريا.. أينما وجدت صهيونيا يعتدي على عربي وجدت تونسيا يقاوم هناك.. والشهادات تؤكد أن التونسي كان في كل المحطات شجاعا ومقداما... لم يوجد فصيل فلسطيني واحد لم يضم تونسيا''. 

ضيفنا الجمعي القاسمي شارك بدوره في المقاومة المسلحة، ويتحدث عنها متواضعا فيقول ''في 1978 صار اجتياح صهيوني لجنوب لبنان، وتم فتح باب التطوّع لكل عربي يريد المشاركة في المقاومة، التونسيون قدموا حينها من الجزائر وباريس وليبيا. كنت حينها كما أغلب المتطوّعين في العشرينات من عمري، شابا متحمسا مؤمنا بالقضية وأحمل فكرا يساريا قوميا أمميا، ولم أفكر أو أتردد للحظة واحدة..آمنت كغيري بضرورة ممارسة النضال بشكله الأرقى، وهو الكفاح المسلح".

أمل الهذيلي

share