فيلم 'القصص'.. عن نكساتنا والأمل
يعود المخرج المصري أبو بكر شوقي إلى أيام قرطاج السينمائيّة وفي البال ذكريات لا تمحى بعد تتويجه بالتانيت الفضي للمهرجان في عام 2018 عن فيلم 'يوم الدّين'، ليستقبله جمهور قاعة الأوبرا بحماس تزامنا مع مشاركته في المسابقة الرّسمية للأفلام الرّوائية الطّويلة بآخر أعماله "القصص"، الفيلم الذي يعيد إلينا شريط هزائمنا ونكساتنا وانتصاراتنا القليلة على مدى 120 دقيقة تنتهي بفسحة أمل.
وتنبني فكرة «القصص» على حكاية حميمة تنطلق من الخاص لتلامس العام، إذ يستلهم المخرج أبو بكر شوقي بذرتها الأولى من قصة تعارف والديه، عبر مراسلات حملت شغفا عابرا للحدود والثقافات. فمن هذا المنطلق الشخصي، تتشكل قصة أحمد، عازف البيانو الطموح، الذي تربطه علاقة إنسانية عميقة بليز، المراسلة النمساوية، في صيف 1967، علاقة تصمد أمام المسافة ورفض العائلة وتقلبات السياسة والحرب.
ولا يقدّم الفيلم توثيقا تاريخيا بقدر ما ينسج عالما إنسانيا دافئا، تتقاطع فيه الأحلام الفردية مع التحولات الكبرى، ويتحوّل الحب والموسيقى إلى وسيلتين للمقاومة والبقاء. ومع امتداد الزمن بين الستينات والسبعينات والثمانينات، تتسع القصة تدريجيا من الواقع إلى الفانتازيا، لتصبح «القصص» تحية سينمائية لجيل كامل عاش على إيقاع التغيّر، وحاول أن يحافظ على صوته الداخلي وسط ضجيج العالم.
لم يفت الأوان بعد
والعمل من بطولة كلّ من أمير المصري ونيللي كريم، ويشاركهما البطولة فاليري باشنر، كريم قاسم، صبري فواز، شريف الدسوقي، وأحمد كمال، الذين حملونا في رحلة عبر قصص عائلة مصريّة بسيطة تضمّ أفرادا مختلفي التوجّهات والأفكار والاهتمامات بين السّياسة، والموسيقى وكرة القدم، توحّدهم الهزائم ويجمعهم الأمل الذي ضلّ إيقاعه يقود الأحداث حتّى النّهاية التي صفّق لها جمهور كان في حاجة إلى من يهمس له: لم يفت الأوان بعد.
وفي ختام رحلته، لا يقدّم «القصص» سردا تاريخيا لمصر بقدر ما يضع المشاهد أمام مرآة زمن كامل، من انكسار 1967 إلى تحوّلات الثمانينات، كما عاشته أسرة عادية تشبه آلاف البيوت. عبر خمس حكايات متداخلة، يمزج أبو بكر شوقي الخاص بالعام، والحب بالهزيمة، والموسيقى بضجيج السياسة، ليصوغ «حالة مصرية» نابضة بالأسئلة أكثر من الإجابات.
ومع عرضه في تونس، يبدو الفيلم كتحية إنسانية لجيل صارع الخسارة بالأمل، وتمسّك بالأحلام وسط الخطب والأخبار ومباريات الكرة، ليؤكّد أن السينما قادرة، حين تنطلق من الصدق، على تحويل الذاكرة الفردية إلى وجدان جماعي، وعلى استعادة لحظات صنعت ما نحن عليه اليوم.
الواثق بالله شاكير