'كان يا مكان في غزّة'.. حين تصبح الحكاية فعل بقاء
استقبلت قاعة الأوبرا مساء الأحد 14 ديسمبر 2025 فيلم 'كان يا ما كان في غزة' الذي يشارك في المسابقة الرّسمية للأفلام الروائية الطويلة للدّورة 36 لأيام قرطاج السينمائية، ليظهر على الشّاشة محملا بزخم فني وإنساني لافت، خاصة بعد تتويجه بجائزة أفضل إخراج في قسم نظرة ما بالدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي.
والفيلم من إخراج التوأمين طرزان وعرب ناصر، اللذين يواصلان من خلاله ترسيخ مشروع سينمائي ينحاز إلى الإنسان الفلسطيني، بعيدا عن الشعارات والخطابات السياسية المباشرة التي تنقل صورة غزّة التي تشبهنا جميعا وتشبه العالم.
وتدور الأحداث سنة 2007 داخل قطاع غزة المحاصر، لتتبّع قصة صديقين يحاولان النجاة وسط واقع خانق: يحيى، طالب جامعي يعمل في إعداد الفلافل داخل مطعم بسيط، مستخدما أدوات بدائية في ظل انقطاع دائم للكهرباء، بينما يدير أسامة المطعم بشخصيته الجذابة، منخرطا في تهريب الحبوب المخدرة عبر وصفات طبية مسروقة، مستغلا وجبات الفلافل كغطاء لنشاطه السري. وفي الخلفية، يطاردهما شرطي فاسد، لتتحول الحكاية إلى مواجهة مع السلطة والابتزاز والفساد.

غزّة تشبه العالم
وتكمن قوة الفيلم في قدرته على تحويل التفاصيل اليومية الصغيرة إلى مرآة لواقع أكبر: غزة هنا ليست ساحة حرب مباشرة، بل فضاء إنساني مثقل بالحصار والاختناق، حيث تتحول أبسط الأحلام إلى معركة من أجل البقاء، وفي سبيل ذلك يعتمد الأخوان ناصر أسلوبا بصريا واقعيا مكثفا، يستلهم روح السينما المستقلة، مع توظيف ذكي للسخرية السوداء، ما يمنح العمل توازنا بين القسوة والتهكم.

ولا يسعى الفيلم إلى تفسير السياسة، بل إلى تفكيك أثرها على البشر، على علاقاتهم وهشاشتهم وقدرتهم على التكيّف عبر شخصيات محدودة ومكان ضيق ليرسم 'كان يا ما كان في غزة' صورة لمدينة كانت تحاول أن تعيش، قبل أن تصبح لاحقا مسرحا لكارثة إنسانية مفتوحة.
في أيام قرطاج السينمائية، لا يعرض الفيلم بوصفه عملا متوجا فقط، بل باعتباره شهادة سينمائية صادقة على غزة، وعلى إنسانها الذي يصر، رغم كل شيء، على الحكاية والحياة.
الواثق بالله شاكير