languageFrançais

ثروة وطنية مهدورة..كم يكلف تكوين الطبيب والمهندس دافعي الضرائب؟

يتواتر النقاش في تونس حول هجرة الكفاءات وتداعياتها المالية والإقتصادية على البلاد بشكل متزايد، في ظلّ ما تخلقه هذه الظاهرة من نقص كبير في الكفاءات في ميادين بعينها، على غرار الصحّة، وتحرم البلاد من خدمات أبنائها بعد أن استثمرت عشرات المليارات من الدينارات على امتداد عقود في تكوينهم، بينما تستقطب عدّة دول -  في أوروبا ودول الخليج أساسا- هذه الكفاءات مستفيدة مما تمنحه اياهم من أجور مرتفعة وظروف عمل جيّدة ومستوى عيش أفضل.

ويمثّل الأطباء والمهندسون أبرز الكفاءات المغادرة لأرض الوطن ويقدر عددهم بالآلاف سنويا.

20 مهندس يغادر تونس يوميا

وكشف عميد المهندسين كمال سحنون مغادرة 6500 مهندس سنويا لتونس، بمعدل 20 مهندس يوميا.

وقال سحنون إنّ عدد المهندسين الذين يغادرون تونس سنويا في غضون الخمس سنوات الأخير تضاعف، حيث ارتفع من 3000 سنة 2014 إلى 6500 في 2023.

وشهدت تونس هجرة أكثر من أربعين ألف مهندس في ظرف خمسة عشر سنة، وفق ما صرّح به رئيس الجمهورية قيس سعيّد في لقاء جمعه بوزير التعليم العالي والبحث العلمي في فيفري الماضي.

وكشف المسح الوطني حول الهجرة لسنة 2021، الذي أعده المعهد الوطني للإحصاء، أنّ عدد المهندسين الذين غادروا تونس بين 2015 و2020 بلغ 39 ألف مهندس.

1500 طبيب غادروا تونس في عام فقط

قطاع الأطباء ليس أفضل حالا، حيث بات تواصل نزيف الهجرة منذ عدّة سنوات بشكل متزايد يشكّل مصدر قلق للسلطات، مما حدا بنائب بمجلس نواب الشعب (رئيس لجنة الصحة والشؤون الإجتماعية والمرأة والأسرة وذوي الإعاقة الدكتور نبيل ثابت) إلى تقديم مبادرة تشريعية لتقييد هجرة الأطباء.

 وتشير تقديرات إلى مغادرة 4000 طبيب تونس في غضون الثلاث سنوات الأخيرة، بحثا عن ظروف عمل أفضل أمام التدهور الكبير في البنية التحتية في المستشفيات التونسية وبحثا عن فرص لتطوير المهارات، بالإضافة إلى مستوى الأجور المرتفع.

و توقع كاتب عامّ عمادة الأطباء نزار العذاري أن يشهد طبّ الإختصاص في غضون العشر سنوات المقبلة نقصا كبيرا في تونس، بسبب ظاهرة الهجرة، ملاحظا أنّه في سنة 2023 غادر أكثر من 1500 طبيب البلاد أمام الفرص التي تتيحها دول أوروبية على غرار ألمانيا، للأطباء التونسيين وحتى لطلبة الطب الذين لم يستكملوا دراستهم نظرا للنقص الكبير المسجّل في عدد الأطباء في هذه الدول خاصة في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.

ويفوق عدد الأطباء المهاجرين سنويا  عدد الأطباء الذين يتخرّجون من كليات الطبّ التونسية، المقدّر بـ 900 طبيب سنويا.

هجرة أكثر من 4000 أستاذ جامعي

هجرة الكفاءات تشمل أيضا الأساتذة الجامعيين. فبين سنوات 2020 و2022،  تشير تقديرات إلى هجرة أكثر من 4000 أستاذ جامعي من رتب علمية مختلفة بين 2020 و2022، وفق تقديرات.

نزيف الكفاءات..كلفة اقتصادية باهظة 

هجرة الأدمغة والكفاءات تكلّف الدولة الدولة التونسية ودافعي الضرائب مئات الملايين من الدينارات سنويا نظرا لكلفة تكوين هذه الكفاءات العالية في الإختصاصات الطبية والتقنية والهندسية. 

ويؤكّد عميد المهندسين كمال سحنون، أنّ هجرة المهندسين تتسبّب في إهدار ''ثروة وطنية''، بما أنّ تكلفة دراسة مهندس واحد خلال فترة تعليمه بمختف مراحلها تبلغ 100 ألف دينار، منها 50 ألف دينار في المرحلة الجامعية، وهو ما يعني أنّ تونس تهدي 650 مليون دينار لاقتصاديات دول العالم، وفق تصريحه.

ويكلّف تكوين طبيب المجموعة الوطنية أكثر من 100 ألف دينار عن السنة الواحدة، وفق ما صرّح به النائب صاحب المبادرة التشريعية المتعلّقة بالأطباء.

استراتيجية لوقف النزيف 

ويرى مراقبون أنّ هذا الواقع يتطلّب وضع استراتيجية لوقف نزيف هجرة الكفاءات للحدّ من تداعياتها على المدى القريب والبعيد، مع الأخذ بعين الإعتبار لتطلّعات هذه الكفاءات خاصة أنّها قضت سنوات عديدة من عمرها في الدراسة والتحصيل العلمي من أجل تحقيق طموحاتها المهنية التي قد تعيق الظروف الحالية في تونس تحقيقها، لتجد في الهجرة ملاذها الوحيد.

هجرة الكفاءات مثّلت من المواضيع التي تطرّق إليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد  في عدة مناسبات ، مؤكدا أنّ تونس  ''ليست ضد التعاون الفني'' ولكنه يعتبر أنّه لو وجدت خيرة الكفاءات التونسية الظروف التي تسمح لها بالحياة الكريمة بتونس لما فكّر الكثيرون في الهجرة إلى الخارج، وفق تقديره.

ويشدّد رئيس الجمهورية ''على ضرورة إعادة النّظر في عدد من النصوص التي فاقمت هذه الظاهرة في الهندسة والطب وسائر العلوم الأخرى''.

شكري اللّجمي

share