البساط الأحمر 2: كرنفال موسيقي عالمي على ركح مسرح قرطاج
عاد المايسترو رياض الفهري ليلة أمس بعرض "البساط الأحمر 2" في ثاني سهرات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي، في كرنفال موسيقي عالمي احتفى بالتعدد الثقافي والانفتاح على الآخر. عرضٌ بقدر ما كان مفعمًا بالألوان والأنغام، كان أيضًا محمّلاً بالرسائل الإنسانية، من فلسطين فالطفولة ثمّ العالم.
ورغم الحضور الجماهيري المحدود نسبيًا، إلا أن التفاعل الكبير مع ما قُدّم على الخشبة أثبت أن الموسيقى الصادقة لا تحتاج لأرقام ضخمة لتصل، بل لقلوب منصتة.
الموسيقى تصنع التغيير
افتُتح العرض بمشاهد من مسلسل "المايسترو" للمخرج لسعد الوسلاتي ، الذي يجسّد تجربة رياض الفهري الإنسانية الفريدة داخل مراكز إصلاح الأطفال، حين تطوّع بين عامي 1993 و1999 لتعليم الموسيقى لشباب مهمّشين. مشروعٌ إنساني أثمر عن مدرسة موسيقى غيّرت مصير 13 شابًا، نالوا شهادات وطنية وأصبحوا أساتذة، مانحين تونس جائزة عالمية لحقوق الطفل.
في خضم هذه المشاهد، دخل العازفون إلى الخشبة حاملين المشموم التونسي ومرسِلين رسالة محبة إلى الجمهور.
موزاييك من الموسيقى
"البساط الأحمر 2" لم يكن عرضًا كلاسيكيًا تقليديًا بل كرنفال موسيقي حيّ، مزج بين الموسيقى التونسية، الفلامينغو، الكانتري، النابوليتان، والجاز. احتفال حيّ جمع الأغاني التونسية، والإسبانية، والإيطالية، والعربية، وتمازجت فيه الآلات الشرقية والغربية، التقليدية والمعاصرة، وحتى آلات ألعاب الأطفال من خلال أوركسترا "Playtoys"، التي عزفت مقطوعات سمفونية بألعاب مستوحاة من عالم الصغار، تأكيدًا على ولع رياض الفهري بالطفولة، حيث صرّح: "أنا طفل أبدي... الطفولة موجودة في موسيقاي وكلماتي وألحاني".
ضم العرض فنانين من ثقافات متنوعة، من بينهم العازفة اليابانية ساياكا كاتسوكي، عازف البيانو الإيطالي مارسيلو بيوندوليلو، والمغني الأمريكي برينان جيلمور الذي غنّى باللهجة التونسية "الله الله يا بابا" في لحظة تفاعل معها الحضور وأكدت على طابعه العالمي.
وفي انسجام موسيقي كونيّ ، التقى عزف النفخ لحسين بن ميلود مع كاتسوكي على آلة الكمان في مشهد جسّد التقاء الشرق بالغرب. أما كاتسوكي، فأعربت عن سعادتها بالمشاركة، قائلة: "رياض منفتح على الاختلاف مثل الشعب التونسي...أحببت تونس وأشعر فيها بطبيعية تامة".
أنغام من قلب الطفولة
الطفل كان نجم العرض بلا منازع، سواء عبر مشاركة كورال المدرسة الموسيقية الخاصة برياض الفهري،"أو من خلال مشاركة الفنانة الشابة إسراء بن سليمان، التي قدّمت أغنية "إسراء تحلم بفلسطين"، من كلمات وألحان الفهري نفسه.
أغنية طفولية في لغتها، قوية في رسالتها، وصفها الفهري بأنها "مشروع غير ربحي اشتغل عليه لخمسة أشهر"، وقد تم بث الأغنية في إذاعة رام الله، وعُرضت لأول مرة على موجات موزاييك أف أم، ومن المنتظر أن تعزفها الأوركسترا السمفونية لموسكو.
إسراء من جهتها علّقت: "الغناية تسمّات باسمي عن قصد، فيها طفولة وأمل، وسهلة للحفظ، للتوعية أكثر بالقضية". أما والدتها، فعبرت عن فخرها بابنتها "اللي تجسّد طفولة فلسطين، وتدعو للسلم، وتحكي على أطفال تُغتَصب طفولتهم".
وسام القروي: من برشلونة إلى قرطاج
الفنانة التونسية وسام القروي، التي تنشط فنيًا ضمن الأوركستر السمفوني ببرشلونة، أضاءت الركح بغنائها لأغنية "محلى ليالي شبيلية" بطابع عالمي، مؤكدة أن مشاركتها في العرض هي "لحظة فنية استثنائية" وعبّرت عن امتنانها لوجودها ضيفة في عرض الموسيقار رياض الفهري، خاصةً وأنها سبق وغنّت إلى جانب الفنان العراقي كاظم الساهر.
عودة بعد 16 عامًا من الغياب
نسخة 2025 هي الثانية من "البساط الأحمر"، بعد أكثر من 16 سنة على العرض الأول الذي قُدم في أوت 2009 في اختتام الدورة الخامسة والأربعين من مهرجان قرطاج، الدولي بمشاركة أوركسترا فيينا السيمفونية بقيادة أوفي تايمر، وبيدرو أوستاش، تكريمًا للموسيقى العالمية والتلاقح الثقافي.
اليوم، يعيد رياض الفهري البساط الأحمر بروح أكثر تحرّرًا وحداثة، مؤكّدًا أنّه قدّم هذا المشروع بكل حبّ للتلفزة الوطنية التونسية، ليصل إلى كل من لم يستطع الحضور، مضيفًا: "مشيت في حاجة مختلفة، ونحسها باش تخرج كيما هي".
رسائل فنية وإنسانية من تونس إلى العالم
على امتداد السهرة، بدا العرض أقرب إلى رحلة موسيقية حسّية، يُعيد فيها رياض الفهري تعريف مفهوم "العرض العائلي" بعيدًا عن النمطية، موجهًا عبره رسالة تضامن صادقة مع فلسطين، وتحية حب للطفولة، وانفتاحًا على كل ثقافات العالم. هي ليست مجرد أمسية موسيقية، بل لوحة فسيفسائية ناطقة بالمحبة والحرية والاختلاف، على طريقة طفل كبير يُدعى رياض الفهري.
*ليندا بلحاج