ورقة ضغط استراتيجي.. ماهي المعادن النادرة وأين تكمن أهميتها؟
تشهد الساحة الدولية منذ سنوات ما يُعرف بـ "حرب المعادن النادرة" بين القوى الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين. وقد باتت هذه المعادن خلال العقود الأخيرة محور نزاع تجاري وجيوسياسي من منطلق أنّها ركيزة أساسية في الصناعات التكنولوجية الحديثة، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية والمعدات العسكرية.
وقد مددت الصين تعليق القيود على تصدير المعادن النادرة لمدة سنة، في خطوة اعتُبرت مؤشرا على تهدئة مؤقتة في الحرب التجارية، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تخفيض المعاليم الجمركية على عدد من المنتجات الصينية.
لكن هذه التهدئة المعلنة لا تخفي حقيقة أن المعادن النادرة ما تزال أحد أبرز ملفات الشدّ والجذب بين البلدين.
هيمنة صينية على سوق المعادن النادرة

تهيمن الصين على إنتاج المعادن النادرة الضرورية للصناعات التكنلوجية وتمتلك أكبر الاحطياتيات العالمية
تُعدّ الصين أوّل منتج عالمي للمعادن النادرة، إذ تسيطر على ما بين 60 و80 بالمائة من الإنتاج العالمي، وتحتوي أراضيها على ما يزيد عن 36 بالمائة من المخزون العالمي منها.
هذا التمركز الكبير للمعادن النادرة في الأراضي الصينية يمنحها قوة تفاوضية في مواجهة الدول الصناعية التي تعتمد بشكل شبه كامل على هذه المواد، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتستورد أوروبا أكثر من 90 بالمائة من حاجياتها من الصين، مما يعرّضها إلى تأثيرات أي قرار سياسي أو اقتصادي صيني، وهو ما حدا بها إلى مضاعفة جهود الإستكشاف لتقليل الإعتماد على الصين.
ما هي المعادن النادرة ولماذا تُعدّ حيوية؟

تكون المعادن النادرة مختلطة بمعادن أخرى وبتركيز ضعيف مما يجعل عملية فصلها مكلفة ومُلوِّثة للبيئة
ورغم تسميتها بـ"النادرة"، فإن هذه المعادن ليست نادرة من حيث الوجود في القشرة الأرضية، بل سمّيت كذك لصعوبة استخراجها وتنقيتها.
وتضمّ مجموعة "العناصر الأرضية النادرة" نحو 17 معدنا، من بينها الإيتريوم، والأوروبيوم، التربيوم، والبروميثيوم.
وغالبا لا توجد هذه المعادن منفصلة، بل تكون مختلطة بمعادن أخرى مثل الزنك أو النحاس ويكون تركّزها ضعيفا، مما يجعل عملية فصلها مكلفة ومُلوّثة للبيئة. ولهذا السبب، تتراجع دول كثيرة عن استخراجها رغم امتلاكها احتياطيات.
الاستخدامات التكنولوجية والعسكرية للمعادن النادرة

تدخل المعادن النادرة في أغلب الصناعات الحديثة لاسيما في قطاع التكنولوجيا
وتدخل المعادن النادرة في أغلب الصناعات الحديثة لاسيما في قطاع التكنولوجيا، إذ تُستخدم في صناعة الهواتف الذكية وصناعة البطاريات وخاصة بطاريات السيارات الكهربائية، حيث يلعب الليثيوم دورا محوريا.
كما تُستخدم في الطاقات المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، إضافة إلى الصناعات الطبية والعسكرية كأجهزة الرادار والمعدات الإلكترونية الدقيقة.
المعادن النادرة على خطى النفط
ومثلما شكّل النفط في القرن العشرين أحد أعمدة الهيمنة الاقتصادية والسياسية، أصبحت المعادن النادرة ما يمكن التعبير عنه بـ "نفط العصر الرقمي"، إذ تشكّل أساس التحول الطاقي نحو الاقتصاد الأخضر وفي الثورة الصناعية الرابعة القائمة على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة.
لكنّ تركّز المخزونات في دول محدودة، على غرار لصين (36.7%)، والبرازيل (18.3%)، الفيتنام (18.3%)، وروسيا (10%)، والهند (5%)، يجعلها مصدرا دائما للتوترات الجيوسياسية.
البحث عن بدائل لتقليص التبعية للصين
وتسعى القوى الكبرى اليوم إلى تنويع مصادر التزوّد وتقليص التبعية للصين عبر مشاريع استكشاف جديدة في إفريقيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية، إضافة إلى تطوير تقنيات إعادة التدوير لاستخراج هذه المعادن من الأجهزة القديمة.
ومع تسارع التحول الطاقي وارتفاع الطلب على السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، يُتوقّع أن تتحول المعادن النادرة إلى أحد أهم الملفات الجيوستراتيجية في العقود المقبلة، وأداة جديدة لإعادة رسم موازين القوى العالمية.
إعداد شكري اللّجمي