أرواح صامتة تعاني.. رفقًا بكائنات لا تتكلم!
هل ماتت قلوب الناس قسوة.. تعذيب الحيوانات يقتل الإنسان فينا!
شلل كلّي ونزيف على مستوى العينيْن.. كسر وخلع على مستوى الفقرات التي تربط بين الرأس والصدر.. هذا تشخيص الطبيب البيطري الذي عاين حالة كلب تعرض إلى اعتداء وحشي بآلة صلبة من ''إنسان'' في ولاية سوسة.. هذا الكائن البريء الضعيف كان عاجزا على المقاومة ولم يفلت من جلاده لأنه كان نائما ليعاني من وحشية لا تُصدّق.
هناك في عيادة الطبيب البيطري ظهر الكائن الضعيف عاجزا فاقدا للوعي كليا وكأن عجزه يروي قصة ألم لا يطاق وعذابا يدمي القلوب ويختصر حجم المأساة التي تذكرنا في كل مرة بأن هناك أرواحاً بريئة تعاني بصمت على يد من فقدوا إنسانيتهم.
وأذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية سوسة 1 بفتح بحث عدلي في الواقعة، كما تقرّر الاحتفاظ بالمعتدي وهو مربّي أغنام بزاوية سوسة على ذمّة الأبحاث.
عندما يتجرد البشر من إنسانيتهم..
''حادثة سوسة'' ليست مجرد واقعة فردية، والحقيقة أن في زوايا وشوارع تونس، تُكتب يوميا قصص مأساوية بأفعال قاسية، أبطالها أرواح بريئة لا تستطيع الكلام، ومعتدوها بشر تجردوا من أبسط معاني الإنسانية.. فمعاناة الحيوانات الأليفة ليست مجرد حوادث فردية، بل هي ظاهرة تزداد انتشارًا حتى تحولت إلى نزيف صامت يدمي قلوب محبي هذه الكائنات.
وهذه الحادثة تعيد إلى الذاكرة وقائع مماثلة أبرزها التعذيب الوحشي الذي تعرضت له كلبة في منطقة المرسى، بعد أن عمد ''وحش آدمي'' إلى قطع أذنيها وذيلها وقام بتوثيقها بسلك حديدي دون مقاومة ثم رماها في الشارع..

الكلبة 'زهوة' كما دأب سكان منطقة 'المرسى الطابق' تسميتها كانت صديقة الجميع، وتمتلك قدرة عالية على تذكّرهم وكانت قريبة من أغلبهم حتى أنهم كانوا يستقبلونها بحدائق منازلهم لكن حصل حينها ما لم يكن في الحسبان.. وكذلك حادثة الجار الذي قطع أرجل ماعز جاره عندما وجدها في أرضه..
أشكال الاعتداءات والعنف متعددة لتشمل الضرب المبرح، والتسميم المتعمد، والحرق، والتخلي عن الحيوانات في ظروف قاسية، أو حتى التسبب في إصابات جسدية خطيرة.. وهذه الأفعال لا تقتصر آثارها على الحيوان الضحية فحسب، بل تمتد لتغرس في المجتمع بذور القسوة واللاإنسانية.
فهذه الظاهرة التي تحولت إلى سلوك متفشي في بعض الأحيان، تستدعي وقفة جدية للتصدي لها، لأن الاعتداء على حيوان أليف، سواء كان قطة أو كلبًا أو أي كائن آخر، ليس مجرد فعل عابر بل هو مؤشر على خلل عميق في القيم الأخلاقية والإنسانية.
التهاون يغرس في مجتمعنا بذور العنف والقسوة
إن غياب الوعي والتربية على الرفق بالحيوان يفتح الباب أمام هذه السلوكيات.. كما أن غياب المساءلة الفعالة، يجعل المعتدي يشعر بالإفلات من العقاب.
فالتهاون مع هذه الظاهرة له تداعيات خطيرة، ويغرس في المجتمع بذور العنف والقسوة، ويجعل من السهل على الأفراد تقبل أشكال أخرى من العنف ضد البشر.. فمن لا يرحم حيوانًا ضعيفًا، كيف يمكنه أن يرحم إنسانًا؟

هل هناك قوانين تحمي هذه الكائنات في تونس؟
إنّ الجدل في تونس حول حقوق الحيوانات وتعزيز الإطار القانوني الذي يحميها خاصة منها السّائبة لم يتوقف منذ سنوات، وفي كل مرة تتعالى الأصوات لتحيين القوانين التي تعود إلى عقود.
وفي مناسبات عدة، طالب العديد من النشطاء والجمعيات بسن قانون شامل وموحّد يحمي هذه الحيوانات من ظلم من فقدوا إنسانيتهم.. ورغم أن الإطار القانوني في تونس موجود لكنه غير شامل، حسب تقارير سابقة لعدة جمعيات تنشط في مجال حماية الحيوانات.
ويجرم الفصل 317 من المجلة الجزائية الاعتداء على الحيوانات سواء بقتلهم أو إيذائهم أو تعذيبهم وتسميمهم، ورغم وجود هذه الأحكام، إلا أن تطبيقها قد يكون محدودًا في بعض الأحيان، مما يثير انتقادات من قبل منظمات الرفق بالحيوان. وفي 2024، تم سن القانون عدد 17 ويركز على تنظيم التجارة الدولية بأصناف الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض.
كما تقدم عدد من نواب البرلمان بمبادرة تشريعية سنة 2024 (مقترح قانون عدد 066/ 2024) تمت إحالتها على مكتب البرلمان بهدف وضع قانون شامل لحماية الحيوانات. وتم إيداعه بتاريخ 23 جويلية 2024، وإحالته بتاريخ 1 أوت 2024.
وحسب موقع البرلمان، فإن اللجنة المتعهدة بالمشروع هي لجنة الفلاحة والأمن الغذائي، وهناك لجنتان معنيتان بإبداء الرأي هما لجنة التشريع العام ولجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة.
رسالة من 'صوت الحيوانات' إلى رئيس الجمهورية
منذ سنة 2021، أطلقت مجموعة صوت الحيوانات Tunisia Animals Voice عريضة وجهت من خلالها الدعوة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد من أجل التّدخل للحصول على قوانين أفضل تحمي الحيوانات أمام تنامي الاعتداءات عليها، وخاصة منها ظاهرة تسميم القطط والكلاب في الأحياء السكنية .

إن الاعتداءات المتواصلة على الحيوانات تفرض توعية مجتمعية حول أهمية الرفق بالحيوان من أجل بناء مجتمع أكثر رحمة وتسامحا، وتبقى الحوادث المتكررة مناسبة للتفكير في مدى التزامنا بالقيم الإنسانية وبأن حماية الحيوانات ليست مجرد قضية فرعية، بل هي جزء لا يتجزأ من بناء مجتمع متحضر يقدّر الحياة بكل أشكالها.
فكثيرون يعتبرون رقي المجتمعات يُقاس بمدى تعاملها مع الفئات الأضعف، بما في ذلك الحيوانات، لأن الرحمة والرفق هما من أهم المبادئ التي يجب أن يتحلى بها الإنسان.. والاعتداء على الحيوانات يعد مؤشرا خطيرا على وجود خلل في القيم الإنسانية وحتى في الصحة العقلية للشخص.. فرجاء رفقًا بكائنات لا تتكلم..
*غادة مالكي