languageFrançais

دليل الشهرة والمال.. كُن تافهًا!

من 'لا شيء' إلى 'كل شيء':ليس كل ما يلمع ذهبا.. ولكن كل تافه قد يصبح نجما

تردّدت كثيرا قبل الخوض في هذا الموضوع، إيمانا مني بالحريات الشخصية وبأن لكل شخص الحق في التعبير والسعي وراء ما يريد بالطريقة التي يختارها، لكن يبدو أن المفاهيم التي تعلمتها رفقة أبناء جيلي لدى كبار الأساتذة والجامعيين تغيّرت وجاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتُحدث ثورة حقيقية خاصة في مفهوم الشهرة والنجومية.

في زمن ليس ببعيد، كان طريق الشهرة مرصعًا بالمثابرة، وسنوات لا تحصى في صقل الموهبة وتطوير الذات.. في السابق، كان الوصول إلى الشهرة والأضواء يتطلب المرور عبر بوابات صعبة ومدارس عريقة تبرز إثرها مواهب استثنائية أمضت عقدًا أو أكثر في التعلم والتدريب وخاضت غمار الإحباطات والانتصارات.

في زمن لم يكن فيه الوصول إلى الشهرة سوى حلما صعب المنال، كانت القصة الشخصية للنجم، كفاحه وصبره، ومصدر إلهام لأجيال بعده.. أما اليوم ومع هيمنة منصات التواصل الاجتماعي، أصبح الطريق إلى الشهرة أقصر وأكثر سرعة، يتيح لأي شخص عادي أن يصبح ظاهرة بين عشية وضحاها بفضل مقطع فيديو واحد، أو صورة مثيرة للجدل، وما كان يُعتبر سابقًا مجرد تفاهة أو سلوكيات غير هادفة، أصبح اليوم بوابة للنجومية والثراء لآلاف الشباب حول العالم.

هاتف ذكي وشبكة انترنات هما الطريق إلى الأضواء 

اليوم لم تعد الموهبة التقليدية أو الجهد الأكاديمي ولا قاعة المسرح أو استديو التلفزيون بوابات للوصول إلى الجمهور، بل أصبح بإمكان أي شخص يمتلك هاتفاً ذكياً وشبكة إنترنت أن يجد طريقه إلى الأضواء، بعد أن خلقت منصات مثل تيك توك (TikTok)، يوتيوب (YouTube)، وإنستغرام (Instagram) بيئة فريدة تختلف جذريًا عن وسائل الإعلام التقليدية.

هذه المنصات غيّرت مفهوم ''النجومية''، وخلقت جيلا جديدا من "النجوم" الذين صعدوا إلى الشهرة بفضل ما قد يبدو للبعض "حركات تافهة" أو محتوى بسيط.. لتصبح حركات الرقص الغريبة، والفيديوهات الكوميدية القصيرة، أو حتى مجرد عرض الحياة اليومية بطريقة معينة، كافية لتحويل 'نكرة' إلى 'نجم' يتابعه الملايين.

 


منصات التواصل الاجتماعي ألغت الحواجز الفاصلة بين 'المثابر' و'التافه'

اليوم لم تعد الموهبة وحدها هي المعيار، بل أصبحت القدرة على جذب الانتباه على منصات التواصل الاجتماعي، هي مفتاح النجاح عند البعض، مما خلق بيئة يسهل فيها تحقيق الشهرة الزائفة التي لا تستند لا للموهبة ولا للعمل الجاد في صفوف أغلب من يطلقون على أنفسهم تسمية ''مؤثرين''.

اليوم ألغت منصات التواصل الاجتماعي ''تيك توك'' و''إنستغرام'' و''يوتيوب'' كل الحواجز التي كانت تفصل 'المثابر' عن 'التافه'، ومنحتهم فرصة الإطلال على متابعينهم بدروس واهية تنم عن فراغ فكري يغذي عقدة النقص داخل البعض منهم .. وهذه المنصات منحت أغلبهم فرصة التطاول على قيم وثوابت مجتمعية، لطالما كانت خارطة أنارت درب أجيال.

هذا التطاول بلغ حد المس من أسمى الشهائد الوطنية ''شهادة الباكالوريا''، حيث أطلت ''مؤثرة'' في بث مباشر وأتحفت متابعيها بـ''أقوال مأثورة'' همّشت من خلالها القيمة العلمية لهذه الشهادة إبان الإعلان عن النتائج الرسمية للدورة الرئيسية 2025. أو ''مؤثر'' آخر يقوم بتنظيم مسابقات لاختيار فتاة ليواعدها ويضع شروطا عدة للقبول. والمؤسف أن قائمة ''الأقوال المأثورة'' للمؤثرين عديدة.

 

وصفة الشهرة والمال.. TREND

يتمحور المحتوى الذي حقّق شهرة واسعة في تونس حول أفعال تبدو بسيطة جداً، لكنها تحوّلت إلى مصدر جذب للجمهور، وهذه الحركات عديدة منها: 

*تحديات الرقص والمقاطع الكوميدية، حيث يؤدي الشاب رقصة معينة أو يمثل مشهدا كوميديا ساخرا من الحياة اليومية، وهي مقاطع سهلة التقليد وتنتشر بسرعة بين الشباب.

*العبارات الغريبة: بعض مستعملي منصات التواصل اشتهروا بطريقة كلامهم الفريدة أو عبارة معينة يرددونها باستمرار حولتهم إلى ''نجوم''،  وهذه العبارات تتحول إلى "Trend" يتداولها الناس على نطاق واسع في الحياة اليومية.

*توثيق الحياة اليومية: يكتفي البعض بتوثيق لحظات من حياتهم اليومية بطريقة مرحة أو درامية، ومع غياب أي موهبة خارقة في هذا الإطار يصبح الهدف مجرد إقناع المتابع بالبقاء ومشاهدة المقطع حتى نهايته.

*الاستفزاز والجدل: يلجأ البعض إلى إثارة الجدل عمدا عبر طرح مواضيع حساسة أو التعبير عن آراء صادمة، بهدف جذب الانتباه وزيادة التفاعل.

 

ووراء هذه الرغبة في الظهور، تقف محفّزات قويّة تجعل هذا النوع من الشهرة مرغوبا بشدة، أولها هو الجانب المادي. فكلما زاد عدد المتابعين، زادت فرص الحصول على عقود إعلانية مع شركات وعلامات تجارية.

ختاما، أنا لا أدعي في العلم فلسفة لكن.. أنا أنتمي لجيل يؤمن بأن الشهائد العلمية جامعية كانت أو مهنية هي البوابة التي تفتح أمام حاملها آفاقا واسعة من المعرفة المتخصّصة والفرص المهنيّة.. جيل يؤمن بأن التحصيل الأكاديمي ليس مجرد وثيقة، بل هو مفتاح النجاح والتميّز في مختلف معارك الحياة، وجعل من شهائده حجر الزاوية الذي بنى عليه طموحاته ومنها مستقبله.

هذه الشهائد لا تعكس فقط إلمام الفرد بمجال معين، بل تدل على قدرته على التعلم والبحث، والتحليل وهي مهارات أساسية لا غنى عنها في أي مجال..

* غادة مالكي