languageFrançais

بوكينيست: مهنة بيع الكتب القديمة مهدّدة بالاندثار وتدخل الدولة ضروري

وأنت تجُول "نهج الدباغين" ومنه إلى نهج إنقلترا وسط تونس العاصمة تونس، أكثر ما يجذب الانتباه مَشاهد الكتب القديمة على قارعة الطريق وفي عدد من المكتبات لكن ما يُلاحَظ قلّة المقبلين على هذه المكتبات.. 

وفي مقابلة خاطفة مع "بوكينيست" وهو بائع كتب قديمة "محسن عُمري" قال إنه يمتهن بيع الكتب منذ أكثر من 30 عاما في "مكتبة المزوغي" الناشطة في بيع الكتب القديمة منذ 1965 والواقعة في قلب العاصمة (نهج أنقلترا).

وحول بدايات البوكنيست محسن العمري مع هذه المهنة، أشار في حديث لفقرة "حكاية منا" ببرنامج "على كل لسان" إلى أنه كان قبل 30 سنة يشتغل في وزارة التربية لكن بسبب انتماءه للفصيل اليساري حينها، تم فصله عن العمل وحرمانه من العمل في كل الإدارات التونسية.

وأضاف أن التحاقه بالمكتبة كان صدفة حين ذهب لشراء كتاب ودخل في نقاش مع صاحب المكتبة "المزوغي" رحمه الله ليعرض عليه الأخير العمل معه في بيع الكتب القديمة فكانت الرحلة في عالم الكتب القديمة.

وبيّن محسن أن عملية التزود تكون إمّا عن طريق الأصدقاء أو بعض الجمعيات أو من الحرفاء حين يستبدلون ما عندهم من كتب بأخرى، وأحيانا من الخارج وهي الأصعب وفق تقديره لأن تكلفتها باهضة.

يُمضي محسن عُمري كامل يومه بين آلاف الكتب من بينها مراجع وكتب تعود حتى للقرن 18 و19 في عدّة المجالات وبلغات مختلفة.

قطاع بيع الكتب المستعملة والقديمة يشهد انتكاسة خاصة بعد الثورة بسبب ركود المبيعات ووظهور مجموعات على مواقع التوصل الاجتماعي تؤمن "نسخا غير أصلية لبعض الكتب" إلى جانب ظاهرة التهريب مع عدم قيام الدولة بدورها لإنقاذ "الحصن الأخير للثقافة" حسب تعبيره مع العلم أن أهل القطاع وجهوا في أكثر من مناسبة صرخة استغاثة لدعم القطاع المهدد بالاندثار لكن "ما من مجيب".

في هذا السياق، محدّثنا يعبّر عن أسفه على ما آلت إليه الأوضاع التي تهدد مهنته التي عشقها ولازمها لعقود والتي كانت سببا في تمتين علاقته بـ"الكنوز" في إشارة للكتب لكن الواقع المعيشي يفرض التعهد بالتزامات مادية معينة تجاه عائلته والحياة اليومية لم تعد هذه المهنة تؤمنها.

مصير المهنة والمكتبة يبقى مجهولا إلى أن تتعامل الدولة ووزارة الثقافة بجديّة مع مشاكل قطاع بيع الكتب.

وفي مقارنة بين أمس واليوم.. البوكينيست محسن عُمري قال إن الفترة التي يمكن تسميتها بـ"الزمن الجميل" هي التسعينات حيث كان المقبلون على المكتبة أفواجا أفواج فتجد الحرفاء من مختلفة الشرائح العمرية فكانت عينَا كل حريف تطلع إلى العناوين بكل شغف لشراء هذا الكتاب أو ذاك قبل غيره.

أما اليوم فالوضع مختلف تماما وينحسر نوع الحرفاء في عدد قليل من التلاميذ والطلبة يأتون للسؤال عن كتب ومراجع محددة من أجل بحوث متخصصة وليس للتقليب والانتقاء. 

وللإشارة في هذا الصدد فإن نتائج سبر آراء نشرتها مؤسسة "إمرود" للإحصاء أكدت أن 82% من التونسيين لم يقرؤوا كتابا واحدا في 2019.

ورغم كل ما يحيط بمهنة "البوكينيست" في تونس من متاعب ومشاق ورغم ما يتهدد المهنة من اندثار إلا أن الأمل يبقى قائما حسب "بطل" حكايتنا هذا اليوم محسن عُمري الذي ما انفكّ يردّد "تونس أخرى.. ممكنة".

 

*غفران العكرمي