محتكرو الخضر والغلال..دُويلة داخل الدولة ؟
عاين رئيس الحكومة يوسف الشاهد صباح اليوم في زيارة فجئية عمليات احتكار في سوق الجملة ببئر القصعة، وكشفت هذه الزيارة أحد الأسباب الكامنة وراء الارتفاع المشطّ والمتواصل لأسعار الخضر والغلال.
وقد كان الوقوف على ممارسات الاحتكار في أحد أكبر أسواق الجملة في تونس وراء إطلاق حملة فورية في حوالي 15 ولاية لمراقبة مسالك التوزيع ومداهمة 60 مخزن تبريد للخضر ومتابعة البيوعات والتصدّي لعمليات الاحتكار خاصة المتعلقة بمادة البطاطا والبصل وكذلك مراقبة جودة المنتجات المخزنة.
أمام هذه الممارسات المخلّة بالقانون، يقف المواطن عاجزا أمام الارتفاع المشطّ لأسعار المواد الغذائيّة، وخصوصا الخضر والغلال، التي بلغت معدلات قياسيّة في شهر أكتوبر الماضي، ارتفاعا طال كلّ المنتوجات دون استثناء رغم محاولات الحكومة التحكّم في تزويد السوق والحدّ من غلاء الأسعار سواء في الأسواق أو في المساحات الكبرى.
رغم ذلك، التضخّم في تزايد ..
أثبتت الأرقام الرسمية أنّ نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي واصلت الارتفاع لتبلغ 5.8% في شهر أكتوبر بعد أن كانت في حدود 5.5 % خلال شهر سبتمبر المنقضي، وهي النسبة الأعلى منذ بداية السنة.
ويبدو أنّ مسالك التوزيع الموازية التي يحكمها التجّار المحتكرون وأصحاب مخازن التبريد الخاصّة تقف وراء بلوغ الخضر والغلال معدلات قياسيّة رغم وفرة الأمطار، هذه المسالك التي تتلاعب بالأسعار ليصبح قانون السوق غير مرتبط بالعرض والطلب بل بمصالح المحتكرين وهوامش الربح.
والملاحظ أنّ سعر بعض المواد على غرار البطاطا التي يطرحها الفلاح في أسواق الجملة لا يتجاوز الدينار الواحد لكنّها تصل إلى المواطن بسعر يتراوح بين 2.500 مليما و3 دنانير، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات لعلّ أهمها: أين يكمن الخلل؟ وأين الرقابة ؟ ومن يقف وراء الحلقة الوسطى بين المنتج والمستهلك؟
لكن الثابت أنّ الدولة وجدت نفسها عاجزة أمام "السلطة المفرطة واللاّمحدودة" لبعض أصحاب مخازن التبريد الخاصّة التي سمحت لهم بالتحكّم في نسق تزويد السوق وفي الأسعار.
مخازن التبريد تفرض سلطتها
واستنادا إلى بعض العارفين بهذا القطاع، فإنّ كمّيات البطاطا التي عملت مصالح وزارة التجارة على تخزينها منذ شهر أكتوبر الماضي بلغت 55 ألف كان نصيب مخازن التبريد منها حوالي 37 ألف طنّا والبقية في مخازن التبريد التابعة للمجمع المهني المشترك للخضر والغلال بهدف تعديل السوق نظرا لمحدودية طاقة التخزين لدى الدولة.
إذن ما الذي حدث حتى يرتفع سعر البطاطا بشكل جنوني ليصل إلى حوالي 3 دنانير للكلغ الواحد؟
ما حدث أنّ بعض أصحاب هذه المخازن هم من يتحكّم اليوم في كميات البطاطا التي يتمّ تزويد الأسواق بها..والخاسر الأكبر من هذه الممارسة هو المستهلك.
وفي ظلّ غياب مراقبة مخازن التبريد بشكل دوري وعدم إحكام السيطرة على مسالك التوزيع، من المتوقّع أن يتواصل ارتفاع الأسعار في فترة تقاطع المواسم سيما أنّ 60% من المنتوجات الزراعيّة التي كانت تمرّ عبر المسالك الرسميّة لسوق الجملة أصبحت تُباع عبر الأسواق الموازية، حسب ما صرّح به رئيس غرفة تجّار الجملة حسن عيساوي.
ورغم الزيارات الرسمية لرؤساء الحكومات ووزراء التجارة والفلاحة وكتاب الدولة منذ الثورة إلى الآن والتي يبدو بعضها استعراضيا، والدعوات المتواصلة لمراقبة مسالك التوزيع والوسطاء، إلاّ أنّ النسق التصاعدي للأسعار مازال على حاله، وعلى سبيل الذكر لا الحصر هذه بعض العينات من أسعار الخضر: البطاطا 2500 مي / الطماطم 2300 مي / البصل 1430 مي / الفلفل 1350 مي.
والأسئلة أيضا..تفرض سلطتها
يبقى السؤال المطروح، هل نحتاج إلى زيارات موسميّة للتفطّن إلى غلاء الأسعار والاحتكار والمضاربة ؟
إلى متى يتواصل تغوّل "مافيا" مخازن التبريد الخاصّة التي يتحكم بعضها في قوتنا؟
ومتى ستستعيد الدولة سيطرتها على مسالك توزيع المواد الغذائيّة ؟
وفي ما يلي الزيارات التي شهدها سوق الجملة ببئر القصعة منذ الثورة:
15 نوفمبر 2017: رئيس الحكومة يوسف الشاهد يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
15 ماي 2017: وزير التجارة زياد العذاري يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
18 مارس 2017: رئيس الحكومة يوسف الشاهد يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
18 ديسمبر 2016: كاتب الدولة المكلف بالتجارة فيصل الحفيان يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
7 جوان 2016: وزير التجارة محسن حسن يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
20 جانفي 2016: وزير التجارة محسن حسن يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
7 فيفري 2015: وزير التجارة رضا لحول يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
22 فيفري 2013: رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصع
10 أفريل 2013: وزير التجارة عبد الوهاب معطّر يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
26 أفريل 2012: رئيس الجمهورية منصف المرزوقي يقوم بزيارة إلى سوق الجملة ببئر القصعة
أسعار بعض الخضر والغلال
أميرة العلبوشي