اللجنة الجزائرية-التونسية: من تنسيق ثنائي لشراكة اقتصادية استراتيجية
انطلقت الأشغال واللقاءات التمهيدية لانعقاد اللجنة العليا المُشتركة الجزائرية-التونسية في دورتها الثالثة والعشرين بتونس، منذ مدة، في محطّة جديدة لتعزيز مسار التعاون الثنائي بين البلدين، وبحث سُبل الارتقاء به إلى مستوى العلاقات المتينة التي تربط الجارتيْن خلال هذه الدورة، والتي تمتد على أربعة أيام من 9 إلى 12 ديسمبر الجاري.
اتّساع الملفات المطروحة وحساسية قضايا يتطلّع الجانبان إلى مُعالجتها
كان اجتماع هذه اللجنة محور لقاء، أواخر الشهر الماضي، بين وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي ونظيره الجزائري أحمد عطاف، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، على هامش الدورة 12 للملتقى السنوي حول السلم والأمن الإفريقي، في الجزائر. واستعرض الطرفان آنذاك "الاستعدادات الحثيثة من أجل إعداد وإنجاح اللجنة الكبرى المشتركة التونسية الجزائرية قصد تحقيق النتائج المرجوة في مجالات التجارة والصناعة والطاقة والفلاحة، وتسهيل إقامة مواطني البلدين وتنقلهم".
وسيشرف رئيس الحكومة الجزائرية سيفي غريب، إلى جانب رئيسة الحكومة سارة الزعفراني، على جلسات اللجنة يوميْ 11 و12 ديسمبر الجاري، بمشاركة عدد من الوزراء من البلدين، من بينهم وزراء الخارجية والداخلية والنقل والفلاحة والصناعة والطاقة والتجارة والرياضة، في مؤشر على اتساع الملفات المطروحة وحساسية القضايا التي يتطلع الجانبان إلى معالجتها ويهدف الاجتماع إلى دراسة آليات رفع مستوى التبادل التجاري الذي لا يزال، حسب التقديرات لا يعادل حجم العلاقات السياسية التي تجمع البلدين منذ عقود.
وستناقش اللجنة سبل تنمية المناطق الحدودية المشتركة وتفعيل مشاريع التبادل الحر، إضافة إلى تعزيز التعاون في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة، بما يَعكس إرادة مشتركة لبلورة مقاربة اقتصادية أكثر ديناميكية واندماجا بين البلدين. ويحظى ملف الطاقة بأهمية خاصّة بالنظر إلى تموّن تونس بالغاز الجزائري، في وقت تواصل فيه الدولتان، بمعية ليبيا، العمل على مشروع الربط الكهربائي المشترك الذي انطلقت دراساته الأولية في مارس الماضي، وهو مشروع يُتوقع أن يفتح آفاقاً واسعة لتكامل الطاقة والأمن الطاقوي في المنطقة المغاربية.
تنمية مناطق حدودية وتفعيل مشاريع تبادل حر في الزراعة والصناعة والطاقة
وتأتي الدورة الحالية للجنة العليا المشتركة لتؤكد هذا النهج، إذ يسعى الجانبان إلى تطوير مقاربة جديدة تقوم على تعميق التكامل الاقتصادي، وتسهيل تنقل السلع والاستثمارات، والعمل على بعث مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة.
ويبرز المنتدى الاقتصادي كآلية موازية لدعم هذا التوجّه، من خلال تمكين رجال الأعمال من تفعيل شراكات عملية قادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية وتوليد فرص عمل في الجانبين.
وتشير التحركات الثنائية المتصاعدة إلى رغبة واضحة في الانتقال بالعلاقة من مستوى التنسيق السياسي التقليدي إلى مستوى شراكة اقتصادية إستراتيجية، تستفيد من القرب الجغرافي والانسجام السياسي والتاريخ المشترك. وفي الوقت الذي تواجه فيه المنطقة تحديات اقتصادية وأمنية متجددة، تبدو الجزائر وتونس أكثر اقتناعا بأنّ تعميق التعاون الثنائي لم يعد خيارا ظرفيا، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز الاستقرار والتنمية في البلدين والمنطقة ككلّ.
وأكّد وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، خلال استقبال وفد مجموعة الصداقة البرلمانية «الجزائر–تونس، إنّه من المواضيع المهم التي سيتم التباحث بشأنها هي إيجاد حلول مشتركة لقضايا الأمن الغذائي والطاقي والمائي والمناخي بما يحفظ استقرار البلدين وتنميتهما، وتعزيز حضور البلدين في القارة الإفريقية، إضافة إلى عدد من الملفات الإقليمية والدولية، من بينها جهود التقريب بين الفرقاء في ليبيا، ودعم القضية الفلسطينية، والتعاون في معالجة القضايا المتوسطية».
تقييم ما تحقّق من إنجازات وقفزة نوعية لتطوير التعاون الثنائي
وكان السفير الجزائري بتونس عزوز باعلال، شدّد خلال الاحتفال بالذكرى 71 لاندلاع الثورة الجزائرية، على أنّ الجزائر تتطّلع إلى أن يكون انعقاد الدورة 23 للجنة الكبرى المشتركة قفزة نوعية في تطوير التعاون الثنائي بين البلدين، وختم باقتباس عمّا جاء على لسان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا قوله "إنّ العلاقة بين تونس والجزائر ممتازة ولا توجد سحابة ونحن في أحسن جوار مشيدا بذكاء التونسيين والثناء على وطنيتهم".
ومن جانبه، أعلن وزير الدفاع الوطني خالد السهيلي خلال الاحتفال بالذكرى 71 لاندلاع الثورة الجزائرية، بتونس أنّ هذه الدورة "ستكون فرصة لمزيد تعزيز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك مجالات الاقتصاد والطاقة وتنمية المناطق الحدودية والنقل والتعليم والتبادل الثقافي، مضيفا أنها استحقاقات ومناسبة مهمة لتقييم ما تحقق من إنجازات ومتابعة ما تم الاتفاق عليه سابقا، كما أنها ستكون أيضا فرصة لاعتماد برامج ومشاريع جديدة تترجم الإرادة السياسية الصادقة لقيادة البلدين في المضي قدما نحو شراكة أشمل ترسخ وحدة المصير وتخدم الأمن والاستقرار في المنطقة..
ويُمثّل هذا الحراك الاقتصادي والدبلوماسي امتدادا طبيعيا لمسار طويل من العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر، اتسم بالتضامن والتنسيق الوثيق منذ استقلال البلدين. فقد لعبت تونس دوراً مهماً في دعم الثورة الجزائرية، فيما ظلت الجزائر على مرّ العقود سنداً سياسياً واقتصادياً لتونس، خصوصاً في محطات الأزمات الإقليمية والدولية.
وعلى امتداد السنوات الماضية، حافظ البلدان على مستوى عالٍ من التنسيق في الملفات الإقليمية، سواء في ما يتعلق بالأمن الحدودي، أو الأزمة الليبية، أو مكافحة الإرهاب، أو قضايا المغرب العربي. واتّسمت مواقف الدولتين في المحافل الدولية بتقارب واضح، عكس قناعة مشتركة بضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة، وتجنّب التدخلات الخارجية، وتعزيز الحلول السياسية.
يذكر أنّ اللجنة التونسية-الجزائرية الكبرى تمتد على تاريخ طويل من التعاون والاتفاقيات (ترسيم حدود 1968، ومعاهدة 1983) وتُعقد اجتماعاتها بشكل دوري لتعميق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
هناء السلطاني