نائب رئيس غرفة العقاريين: نساند 'الكراء المملك' برؤية تشاركية وتمويل
علّق نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين في تونس، جلال المزيو، في تصريح لموزاييك، على مبادرة “الكراء المملك” التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد، معتبراً إيّاها فكرة إيجابية ومبادرة طيبة من حيث المبدأ، لأنها تستهدف تمكين الفئات الضعيفة من الحصول على سكن لائق.
لكنّه في المقابل شدّد على أنّ نجاح هذه الفكرة يتطلّب رؤية مالية وتشريعية واضحة، مع انفتاح الدولة على الباعثين العقاريين الخواص لضمان نجاعة التطبيق وسرعة الإنجاز.
ما هو الكراء المملك؟
الكراء المملّك (أو الإيجار المملّك) هو عقد يجمع بين الكراء والبيع، يتيح للمكتري (المستأجر) الانتفاع بعين معينة مقابل أداء أقساط دورية، مع إمكانية تملّكها في نهاية المدة بعد تسديد جميع الأقساط المتفق عليها.
ويظلّ المؤجّر مالكًا للعقار أو المنقول طيلة فترة العقد، إلى أن يمارس المكتري خيار الشراء وفق الشروط المحددة. ويُستخدم هذا النظام عادة في تمويل العقارات أو السيارات، ويُعدّ
وسيلة لتسهيل التملّك دون الحاجة إلى دفع الثمن كاملًا في البداية، مع ضمان استعمال الأصل خلال فترة السداد.
المزيو: الفكرة طيبة… لكن التنفيذ يحتاج مراجعة
قال المزيو إنّ “الكراء المملك” يُعدّ من الناحية النظرية حلّاً مبتكراً يتيح للمواطن استئجار مسكن على مدى زمني طويل (من 15 إلى 20 سنة) على أن يصبح بعد سداد كامل الأقساط مالكاً له.
لكنّه أوضح أنّ نجاح هذا النموذج يرتبط بقدرة المؤسسات المنفّذة على التمويل المسبق للبناء، قائلاً “الباعث العقاري الذي سيدخل في مثل هذا النظام يجب أن يمتلك إمكانيات كبيرة، لأنّه سيبني عدداً من العمارات ويقبض مستحقاته على مدى عشرين سنة، وهذا أمر صعب من دون تمويلات واضحة ومضمونة”.
وبيّن محدثنا أنّ الدولة اختارت تكليف شركتي الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية (السنيت) و شركة النهوض بالمساكن الاجتماعية (السبرالس) بتنفيذ المشروع، وهما مؤسستان عموميتان معروفتان بضعف إمكانياتهما المالية واللوجستية مقارنة بحجم الطلب على السكن في تونس.
وأضاف جلال المزيو، نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين في تونس “كل التونسيين يعرفون محدودية قدرات السنيت والسبرالس. الطلب على السكن اليوم أكبر بكثير من طاقتهما، ولهذا نقترح أن يُفتح المجال أمام الباعثين العقاريين الخواص للمشاركة في هذه المنظومة، لأنّ ذلك سيسمح بتسريع وتيرة الإنجاز وتحقيق نتائج أفضل في وقت أقصر”.
تساؤلات حول التمويل ومصادر الأموال
وتساءل المزيو عن مصادر تمويل المشروع، قائلاً إنّ ما تسرّب إلى حدّ الآن من معطيات يفيد بأنّ الدولة قد تعتمد على أموال صندوق السكن لفائدة الأجراء، وفق ما ورد في قانون المالية لسنة 2026 وتحديدا في الفصل 22 من مشروع قانون المالية لسنة 2026.
وحذّر من أنّ هذه الأموال “ملكٌ لكل الطبقات الاجتماعية، وليست حكراً على الفئات الضعيفة فقط”، مضيفاً “من المهم أن نتعامل مع هذه الموارد بحذر، لأنها تعبّر عن مجهود وادّخار جماعي يخصّ الطبقات العاملة والمتوسطة، ولا يجب توجيهها حصرياً لفئة واحدة”.
كما دعا إلى الشفافية في تحديد الإطار المالي والقانوني للمشروع، مبيّناً أنّ الغرفة العقارية لم تتحصل إلى اليوم على معطيات رسمية دقيقة حول آليات التنفيذ أو كيفية تسعير العقود ونسب الفائدة أو شروط الانتفاع.
مقترح الغرفة: قرض بنسبة فائدة 3% لكل شاب تونسي
وأعاد المزيو التذكير بالمقترح الذي كانت الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين قد قدّمته سابقاً إلى السلطات المعنية، ويتمثل في تمكين كل شاب تونسي من قرض سكني بنسبة فائدة 3% فقط، في حدود 500 ألف دينار كحد أقصى، لشراء مسكن من اختياره.
وأوضح أنّ الفارق بين نسبة الفائدة المنخفضة (3%) ونسب الفائدة البنكية الحالية (التي تتراوح بين 10% و12%) يمكن أن يتحمّله صندوق السكن، معتبراً أنّ هذا النموذج “أكثر عدالة وواقعية”، لأنه يتيح للشباب والطبقة المتوسطة امتلاك مساكن دون أعباء مالية مفرطة.
وأضاف “الكراء المملك فيه مخاطر كثيرة، لأنّ المستأجر قد يتخلّف عن الدفع، ما يخلق نزاعات قانونية ويعطّل المشاريع، بينما القرض بنسبة فائدة منخفضة يضمن للمواطن حريته في اختيار المسكن، وللباعث العقاري سيولته المالية، وللدولة استقرار المنظومة”.
الطبقة المتوسطة يجب إدماجها في السياسات السكنية
وشدّد المزيو على أنّ الطبقة المتوسطة أصبحت اليوم عاجزة عن اقتناء مسكن بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، قائلاً “اليوم الطبقة المتوسطة لم تعد قادرة على شراء منزل. الكراء المملك قد يخدم الفئة الضعيفة، لكن يجب ألا ننسى الطبقة المتوسطة التي هي أساس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”.
وبيّن أنّ إدماج الباعثين العقاريين الخواص في البرنامج سيسمح ببناء مساكن في فترة لا تتجاوز خمس سنوات، بدلاً من عشرين سنة، لو تمّ تنفيذ المشروع حصراً عبر المؤسسات العمومية، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجابياً على دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.
دعوة للحوار والتشاور قبل التطبيق
وفي ختام حديثه، توجّه جلال المزيو بنداء إلى وزير التجهيز والإسكان ورئيس الجمهورية، داعياً إلى عقد جلسات تشاورية مع الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين قبل الشروع في تنفيذ المشروع، موضحاً أنّ الغرفة تمتلك دراسات تقنية واقتصادية مفصلة أنجزتها بالتعاون مع مكاتب مختصة، تتناول تأثير مختلف السيناريوهات على ميزانية الدولة، والاستثمار، والتشغيل، والناتج الداخلي الخام.
وقال في هذا السياق جلال المزيو، نائب رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين في تونس، “نحن لا نعارض الفكرة، بل نساندها ونريد إنجاحها. لكن يجب أن تكون هناك رؤية شاملة لسياسة السكن في تونس، حتى لا يكون الحل موجهاً لفئة محدودة فقط. القطاع الخاص جاهز للمساهمة ولدينا حلول مدروسة يمكن أن تخفف الضغط على الدولة وتنعش الاقتصاد”.
وختم تصريحه بالتأكيد على أنّ الكراء المملك مشروع طموح في فكرته، لكنه يحتاج إلى إصلاح في منهجيته حتى يتحول من مبادرة رمزية إلى برنامج وطني فعلي يسهم في معالجة أزمة السكن بطريقة شاملة ومتوازنة.
* صلاح الدين كريمي