languageFrançais

صرف المياه المستعملة في البحر: كيف نضع حدا لهذه الظاهرة؟

أيّ حلول لبعض السواحل التونسية التي تتعرض إلى أحد أخطر أشكال التلوث البيئي المتمثلة في  سكب المياه المستعملة مباشرة في البحر؟ فمياه المصانع بدل أن تُعالج أو يُعاد استعمالها، تتحوّل إلى تهديد حقيقي للتوازن البيئي والصحة العامة، وتضع المنظومة الساحلية أمام تحدّيات عاجلة تبحث عن حلول جذرية.

ولم يعد خافيا حجم الكارثة البيئية التي طالت واحدة من أهم الولايات السياحية في البلاد، نابل، حيث تحوّل البحر إلى مستودع للنفايات السائلة وروائح كريهة تخنق الأجواء. وخلال زيارة ميدانية في جويلية الماضي، وتحديدا في مصبي المياه المستعملة بمنطقتي العمود والمريقب بمعتمدية منزل تميم ومنطقة عين قرنز من معتمدية قليبية حيث عاين رئيس الجمهورية الوضع، ووصف ما رآه بأنّه "جرائم في حق تونس"، مؤكّدًا أنّ وضع حدّ لهذه الممارسات لم يعد ترفا بل واجبا وطنيا لحماية البيئة وصحّة المواطنين.

المصانع.. المتسبب الأول في تلوث الشواطئ

المتسبب في هذه الآفة أصبح واضحا للعيان، وهو قطاع المصانع، كما أكّد وزير البيئة الذي أوضح أنّ ولاية نابل وحدها تحتضن 13 مصنعًا لتحويل الطماطم و55 معصرة زيتون، تضخ سنويًا نحو 1.2 مليون متر مكعب من المياه المستعملة مباشرة في الأودية والسباخ والبحر، ما يزيد الضغط على المحيط البحري ويهدد التوازن البيئي بشكل متواصل.

*سكب مياه ملوثة بشاطئ القنطاوي

ولا شك أنّ أغلب الوحدات الصناعية تلجأ إلى تصريف مياهها المستعملة مباشرة في البحر، فيما تقتصر الوحدات القليلة المتصلة بشبكة الصرف العمومية على الالتزام بالقواعد، ما يسلّط الضوء على حجم الخطر البيئي الماثل أمام السواحل. وفق ما أكده مدير حماية البيئة والشريط الساحلي، محمد الناصر الجلجلي مشيرا الى أنّ هذا التشخيص الميداني لم يكتفِ برصد المخالفات، بل شكّل فرصة لإطلاق دعوة رسمية للمصنعين لتسوية وضعياتهم والالتزام بالمعايير البيئية، حمايةً للبحر واستدامة الموارد البحرية التي يتفيد منها المواطن والسياحة على حد سواء.

تلوث شاطئ روّاد بسبب المياه المستعملة

كم عدد محطات التطهير في تونس؟

وتملك تونس حاليا 127 محطة تطهير ومن المنتظر ان يرتفع هذا العدد إلى 129، وفق ما أكدته المديرة الاقتصاد  في الماء بالإدارة العامة للهندسة الريفية واستغلال المياه  هناء الغربي.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطات الحالية حوالي 300 مليون متر مكعب سنوياً، غير أنّه يتم استغلال نحو 8% فقط من هذه الكمية.

أما بالنسبة للمناطق السقوية العمومية، فهي تبلغ حوالي 36 منطقة بمساحة إجمالية تقدّر بـ7807 هكتارات، منها 27 منطقة تُروى فعلياً بالمياه المعالجة، أي بنسبة 36% من المساحات المهيأة للاستغلال.

إعادة معالجة المياه وصيانة شبكات الصرف الصحي..

ان النظر في حلول وضع حدا لظاهرة صرف المياه المستعملة في البحر بات امرا جديا يتطلب النظر فيه مليا ولعل أهم الية يجب التسريع بتطبيقها هي إعادة معالجة المياه المستعملة قبل تصريفها، وإعادة استخدامها في الري الزراعي فمياه الصرف الصحي أو المياه الصناعية المعالجة تشكل بديلا للأسمدة ومحسنات التربة بالإضافة إلى أنها تزود التربة بالمواد العضوية اللازمة للنباتات، وهو ما ينعكس على جودة المواد المزروعة أو بعض العمليات الصناعية، ما يخفّف الضغط على البحر ويحافظ على الموارد المائية.

كما يعد تحديث وصيانة شبكات الصرف الصحي خطوة أساسية لحماية البحار فعبر إصلاح التسربات ومنع التسريبات، يمكن ضمان وصول المياه المستعملة فقط إلى محطات المعالجة، علاوة عن ان اهمية بناء محطات معالجة حديثة خطوة محورية نحو حماية البيئة البحرية فهذه المحطات مجهزة لإزالة الملوثات الدقيقة والبيولوجية بكفاءة عالية، ما يضمن أن المياه المستعملة تصبح آمنة قبل تصريفها، ويحد بشكل كبير من التلوث البحري ويحافظ على الموارد المائية.

إن حماية السواحل التونسية لم تعد خيارا بل واجبا وطنيا. عبر الالتزام بالمعايير البيئية وتطبيق حلول مبتكرة، يمكن تحويل المياه المستعملة من تهديد إلى مورد مستدام يحمي البيئة، يدعم الزراعة والصناعة، ويضمن استمرارية السياحة لأجيال قادمة.
 

منتصر اليحياوي