languageFrançais

تونس والاتحاد الأوروبي: هل حان الوقت لتجاوز العقبات وتطوير الشراكة؟

شهد التعاون بين تونس والاتّحاد الأوروبي تطوّرًا متصاعدًا، انطلق بتوقيع بروتوكول سنة 1984، الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين، وتسهيل المبادلات التجارية، وتفكيك الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية، وذلك في إطار الشراكة الأورومتوسطية.

وتجسّد التعاون في مجال البحث العلمي والتكنولوجي بصفة فعلية، بعد إمضاء برتوكول سنة 1995، لتتعزّز هذه الشراكة بإمضاء اتّفاقية تعاون سنة 2003، لتُصبح تونس شريكا نموذجيا للاتّحاد الأوروبي في هذا المجال خلال 2012، إلاّ أنّ سنة 2016 تعتبر الاستثناء بانخراط تونس كأوّل بلد عربي وإفريقي ضمن برنامج "أفق 2020"، وهو برنامج للبحث والابتكار ويُوجّه فيه الاتّحاد الأوروبي التمويلات إلى ثلاث قطاعات ذات أولوية، وهي التميّز العلمي والريادة الصناعية والتحديات المجتمعية ووضعت له ميزانية بحوالي 79 مليار أورو للفترة 2014-2020.

ضعف مشاركة القطاع الخاص والمؤسّسات في مجال البحث العلمي

وحافظت تونس على تواجدها كبلد عربي وإفريقي، إلى حدّ اليوم، ويعتبر المكلف بملف التعاون بالاتحاد الأوروبي راجح الخميري أنّ انخراط تونس في هذه البروتوكولات والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي خلق إطارا للتعاون القطاعيـ وضمن لجان علمية كانت ولا تزال تونس عضوا ذا ديناميكية فيها، والتي تجتمع دوريا، وآخرها اجتماع خلال سنة 2025 الذي خُصّص لتقييم حصيلة هذه الشراكة ووضع إجراءات جديدة للتقدم بهذا التعاون بالتزامن مع الاحتفال بالذّكرى الثلاثين لإبرام اتفاقية الشّراكة التّونسية الأوروبية والاستحقاقات الثّنائية، وفي مقدّمتها مجلس الشّراكة التّونسي-الأوروبي، واعتماد مقاربة جديدة في هذه الشراكة تُمكّن من مواجهة أفضل للتحديات الماثلة.

تجدر الإشارة إلى أنّ كل اتفاقية منحت تونس عدة امتيازات تجارية واقتصادية. وتنتفع تونس بعدّة برامج في إطار هذه الشراكة منها البرنامج الإطاري للبحث والتطوير والذي مكّن تونس من الحصول على دعم مالي تجاوز خلال الثلاث السنوات الأخيرة 14 مليون أورو.

واعتبر راجح الخميري أنّ تونس حقّقت بفضل ذلك تقدّما مطردا، من حيث بعث الأقطاب التكنولوجية ومخابر البحث العلمي والتي تمثل 70 بالمائة من المشاريع المتحصلة على الدعم ضمن البرنامج الإطاري للبحث والتطوير  حسب عرضه لمسار الشراكة ضمن لقاء الإعلان عن إطلاق فعالية "غدٌ أخضر"، الذي يندرج في  إطار مشروع "دعم البحث والتعليم العالي في قطاع البيئة " (ARESSE).

وبيّن الخميري أنّه رغم النتائج الإيجابية للشراكة التونسية الأوروبية الإطارية، يتواصل ضعف نسب مشاركة القطاع الخاص والمؤسسات الاقتصادية في مجال البحث العلمي، وهو ما يجب العمل على تحسينه وتطويره حاليا، حيث لا تتجاوز نسبة مشاركة هذيْن الفاعلين 12 مؤسسة بدعم متحصل عليها، لا يتجاوز  2.1 مليون يورو.

دعم تونس لانخراطها في برامج تعاون ثنائية و إقليمية

وفي سياق متّصل، تحتل تونس المرتبة الثانية إقليميا بعد الأردن، من حيث انخراطها في برنامج "إيراسموس+" الذي يمنح فرصة للتنقل والتعاون في مجالات التعليم العالي، والتدريب المهني، والتعليم المدرسي، وتعليم الكبار والشباب والرياضة، للدول المشاركة والدول الشريكة، بما فيها تونس للفترة الممتدة بين 2015/2020، وتحتل المرتبة الأولى مع مصر بـ13 مشروعا هيكليا ضمن البرنامج نفسه للفترة الممتدة بين  2021/2024.

وبيّن الخميري أنّ الاتّحاد الأوروبي وضع على ذمة تونس عدة برامج للتعاون الثنائي من أجل تعزيز اصطلاح المؤسسات العمومية ودعم استفادة تونس من مشروع "horizon 2020" انطلقت منذ سنة 2011. كما وضع الاتحاد الأوروبي 3 برامج لتعزيز قدرات الشباب التونسي على الابتكار وخلق نوادي صلب نحو 250 مؤسّسة تربوية في 24 ولاية، وإرساء محاضن مؤسسات تساعد الشباب على حسن استغلال قدراتهم وبعث مشاريع مبتكرة ومتجدّدة.

ويدعم الاتحاد الأوروبي تونس في نشر الثقافة البيئية من خلال المجتمع المدني ومفهوم المدرسة المستدامة، بتمويل 26 مشروعًا في المدارس الابتدائية، بالتعاون مع وزارات التربية والتكوين المهني والتشغيل والتعليم العالي والبحث العلمي وتعزيز الشبكة الجمعياتية للعلم والبيئة، الذي انطلق هذه السنة، ويتواصل إلى نحو 6 سنوات، إلى جانب مشروع "دعم البحث والتعليم العالي في قطاع البيئة" (ARESSE) الذي تمّ الإعلان عنه أمس.

أمّا على مستوى دعم تونس ضمن برامج التعاون الإقليمي، نجدها ضمن 80 مشروعا ثريا ومتنوّعا، من بينه ما يهتم بالتكوين.

الجودة وتنويع المُشاركين وإرساء منصة مشاريع من أجل تونس

واعتبر الخميري أنّ توفّر القدرات والكفاءات وآليات العمل والدعم لا تكفي، لذلك يتم التفكير بالشراكة مع الوزارات المعنية في أسس الحفاظ على هذه المكاسب ونسق مشاركة تونس في هذه البرامج، لكن مع مزيد تطوير وخاصّة تنويع المشاركين وتعزيز حضور ممثلي القطاع الخاص في هذه البرامج وتجاوز مرحلة تكرر الفاعلين أنفسهم من خلال  تكوين وتطوير القدرات وخاصّة ضرورة التركيز على جودة المشاريع بعد ملاحظة ضعف بعضها والذي قد تؤدي إلى الوقوع في التكرار.

وأكّد المكلّف بملف التعاون بالاتحاد الأوروبي راجح الخميري على أنّ المشاركة المكثّفة في عدّة برامج تمويل ودعم تدفع لطرح سؤال "ماهي التداعيات والحصيلة الحقيقية وماهي الآثار ميدانيا؟، لأنّ الحصول على تمويل ودعم قد ينعكس إيجابيا على صاحب المشروع على المستوى القريب، لكن هل لهذا المشروع المموّل أثر على المنظومة الاقتصادية فعليا آم لا؟"، وفق قوله، معتبرا أنّ هذه الإشكالات قد تضرّ بالأهداف المرسومة وطنيا.

ودعا راجح الخميري إلى تثمين المشاريع النموذجية والناجحة والاستثمار فيها لفائدة مؤسّسات وهياكل أخرى، معتبرا أنّ إرساء منصّة للمشاريع من أجل تونس لخلق قيمة مضافة للمشاريع المشاركة مهم جدا، كما أنّه على تونس نشر والترويج لصورتها عربيا وإفريقيا وإقليميا كنموذج باعتبارها البلد الوحيد العربي والإفريقي المنخرط في برامج وبروتوكولات تعاون ذات قيمة مع الاتحاد الأوروبي خاصّة في مجال البحث والتكنولوجيا.

هناء السلطاني