فاطمة بن سعيدان.. أيقونة المسرح التونسي وصوت الصدق والإبداع
حلت الممثلة المسرحية والسينمائية فاطمة بن سعيدان، ضيفة على برنامج حكاية منّا، على موزاييك أف أم، مساء الجمعة 14 نوفمبر 2025، وتحدثت عن تجربتها الفنية وعائلتها وتكوينها الأكاديمي ومسيرتها الفنية الزاخرة بالعطاء والإبداع.
حيث شقّت فاطمة بن سعيدان طريقها في الفن التونسي بثبات نادر وفي هدوء يشبه حكمتها، وفي صمت يشبه عمقها.
أحب نفسي على طبيعتها
ليست مجرد ممثلة مسرح وسينما، بل روح تحيك حضورها بصدق يلامس المتفرّج من أول نظرة. امرأة حملت الفن كما يحمل العاشق معجزته الأولى، وظلّت وفية لخشبة المسرح التي أحبّتها حتى الثمالة.
وُلدت فاطمة في عائلة آمنت بالحرية وربّت أبناءها بعيدًا عن القيود الاجتماعية، وتقول فاطمة بن سعيدان "لم تعارض عائلتي يومًا دراستي للمسرح، فقد نشأنا من دون عقد اجتماعية، وتربّينا على قيم راسخة وحرية مسؤولة."
ربما كان هذا الأساس ما منحها الجرأة لتكون كما تشاء، ولتحتفظ بمظهرها البسيط الطبيعي "الإطلالة التي أعرف بها جاءت صدفة وأحببتها. لم أستعمل مساحيق التجميل قط، لأنني أحب نفسي على طبيعتها."
رحلة الجنوب… وصبر طويل
عاشت فاطمة فصلًا صعبًا من حياتها حين انتقلت للعيش مع زوجها في تطاوين بعد إبعاده إلى الجنوب بسبب مواقفه النقابية في السبعينات.
أما فقدان والديها فتعتبره الجرح الأكبر في مسيرتها الإنسانية "تجربة فقدان الوالدين قاسية جدًا، لكن الأهم أننا تربّينا على أسس وقيم تبقى دائمًا فينا."
المسرح… بيتها الأول
لم تتعجّل فاطمة دخول عالم السينما، ظلّ المسرح هو بوصلتها الأولى، بالنسبة لها، خشبته اختبار حقيقي للممثل "العمل في المسرح يفضح الممثل… إما أن تكون موهوبًا أو لا تكون، فالسينما والتلفزيون أسهل بكثير مقارنة بالمسرح."
على الركح، كما تقول، تولد أجمل لحظاتها "أجمل لحظات حياتي هي تلك التي أقضيها على خشبة المسرح… فأنا أرتجل كثيرًا هناك، وهناك أكون نفسي."
ورغم ألم فقدان زوجها، عادت إلى التمارين بعد ثلاثة أيام فقط احترامًا لمهنيتها "عدت إلى البروفات في مسرحية "الهاربات" بعد وفاة زوجي بثلاثة أيام، فقد كانت لدي التزامات مهنية لا بد من احترامها."
التلفزيون… بوابة نحو جمهور جديد
تعاملت فاطمة بحذر مع التلفزيون، ورفضت عروضًا كثيرة لأنها لم تجد نفسها في الأدوار المقترحة.
وأكدت بن سعيدان "أحببت تجربتي التلفزيونية مع عبد الحميد بوشناق، ورفضت العديد من العروض الأخرى لأنني لم أرَ نفسي فيها."
لكنها تعترف بأن التلفزيون منحها محبة جديدة "التلفزيون جعلني أكسب جمهورًا جديدًا، وخاصة الأطفال الذين يتعرفون إليّ في الشارع ويطلبون التقاط الصور… وهذا يسعدني جدًا."
جوائز… وهدوء الفنان الحقيقي
لا تعمل من أجل التتويجات، لكنها تستقبلها بامتنان راسخ "أفرح بكل تكريم وبكل جائزة، لكنني لم أعمل يومًا من أجل الجوائز. التتويج هو مجرد اعتراف لا أكثر."
وتصف تفاعل الجمهور مع حصولها مؤخرًا على جائزة “أفضل ممثلة” بأنه كان مفاجئًا لها.
أما ظهور صورتها على طابع بريدي تونسي فتعتبره شرفًا كبيرًا "إنه شرف لي أن تكون صورة وجهي على طابع بريدي… أسعدني ذلك كثيرًا لأنه سيبقى جزءًا من تاريخ تونس."
حب ووصايا… ومسيرة لا تنتهي
تصف فاطمة تجربة الزواج بأنها جميلة وعميقة: "الزواج تجربة رائعة… يجب أن يتقبّل الزوجان بعضهما كما هما، فالتفاهم والحب هما السر الحقيقي."
كما تعتبر مسرحية “الهاربات” تحديًا خاصًا، ووفاءً لزوجها الذي رافق مسيرتها "كان عمل ’الهاربات‘ تحديًا بالنسبة إليّ، والتزمت فيه بوصية زوجي الذي شجعني طوال مسيرتي."
وفي كل المراحل، تعلن فاطمة تصالحها التام مع الزمن "استمتعت بكل مراحل حياتي… أعيش كل لحظة كما هي، سواء كانت مرحلة المراهقة أو الشيخوخة."
امرأة لا تبحث عن الصخب، بل يمشي الضوء إليها، ممثلة بنت مجدها بصمتٍ عميق، وبقيت رغم كل شيء ابنة المسرح الأولى.
صلاح الدين كريمي