languageFrançais

حدث في مثل هذا اليوم.. معركة سيدي عيش أو قصّة إهانة الثوّار للمستعمر

كانت ثلاثة أيّام ملحميّة في تاريخ تونس، وصفحة ناصعة من صفحات ثورة تحرير حقيقيّة في تاريخ البلاد، بيّنت أن إرادة الشّعوب المتمسّكة بحقّها في تقرير مصيرها لا تقهر، رغم الرّصاص والنّار وعدم تكافؤ قوى جبهات القتال في أحوال كثيرة.

21 نوفمبر 1954 كان آخر أيّام تلك العمليّة التي وصفت في المراجع، رغم ندرتها، بأنها معركة إهانة وتركيع قوات الاحتلال الفرنسي، الخارجة عن نطاق العملية السياسية  التي قادها الحبيب بورقيبة في مفاوضات الاستقلال.

انطلقت الملحمة  في جبل الناظور من ولاية القصرين، ضمن عمليات ما بات يسمى وقتها بجيش التحرير التونسي، بقيادة داهية عمليات التحرّر الأزهر شرايطي،  وبمشاركة مقاتلين من عروش القصرين وقفصة وسيدي بوزيد والكاف وسليانة، وعدد من المقاتلين الجزائريين، وسط جبهة الوسط والجنوب الغربي، لتمتد بعدها إلى جبل سيدي عيش من ولاية قفصة حيث كان موقع قيادة العمليات من طرف الشرايطي.

ملحمة شاركت فيها نساء ثائرات ميدانيّاً أو بدعم جيش التحرير لوجيستيا، ونذكر منهن، الثائرة التونسية الجزائرية مسعودة (محجوبة) الموسوي.

وأهان الثوّار التونسيون قوات الاحتلال في هذه المعركة التي دفعت فيها فرنسا بقوة تضاهي ال50 ألف جندي محتل ونعدات حربية رهيبة، مقابل 500 ثائر في الجبهة التونسية من الذين درسوا جيّداً تضاريس الجبال التي آمنتهم من استطلاع الطائرات وقصف المدافع والقنابل والرشاشات. ليسقط حوالي 300 عسكري محتل قتيلا في الملحمة التي ارتقي فيها أكثر من 30 ثائراً تونسياً، جزء كبير منهم من الشباب المتحمسين الذين أخذهم اندفاعهم لخوض القتال لعدم تطبيق تعليمات القائد الشرايطي، وفق عدد من الشهادات الشفوية المتداولة.

انتهت تلك المعركة بإهانة التونسيين لفرنسا، وبتلطيخ أنف الاحتلال  بتراب جبال الناظور وعرباطة وسيدي عيش، وبغضب القيادة السياسية لعملية الاستقلال على هذه العملية، ما دفع الأزهر الشرايطي لتبريرها بعد أن كُلّف أحمد التليلي بإقناعه  عقبها بجمع أسلحة جيش التحرير التونسي، التزاماً باتفاقية فرانس مانديز التي فرضت هدنة في تلك الفترة.

أما بقية صفحات التاريخ  فهي معلومة بعد تلك المعركة التي لفضتها السلطة السياسية باختلاف مراجعها، والقاعدة تقول أن أسطر التاريخ والملاحم لا تكتب إلا من طرف المنتصرين، ما جعل مراجع تاريخ محبّرة بإرادة التحرّر، مغيّب في جزء منه، وملحمة سيدي عيش خير برهان.

 

برهان اليحياوي.