languageFrançais

جثث رضّع وأجنة على قارعة الطريق.. لماذا تقتل الأمهات فلذاتهنّ؟

'حبي إنت مرتي'...كلام وردي في ظاهره لكنه يخفي كابوسا قاتما .. فلئن تعددت الأماكن وإختلف الأشخاص، تشابهت البدايات والنهايات... جثث رضع وأجنة في القمامات، على قارعة الطرقات في غابات زيتون وفي المراحيض... آخرها حادثتان متشابهتان جدتا في ظرف أسبوعين في منطقتي المسعدين وحي العوينة من ولاية سوسة جعلتنا نسلط الضوء على ظاهرة جرائم قتل الوليد ثمرة العلاقات غير الشرعية والاغتصاب والدعارة. 

*جرائم متتالية 

وفي عودة للحادثة التي تعود وقائعها إلى 4 نوفمبر الماضي يوم عثر مواطن على جثة رضيع حديث الولادة من جنس الذكور ملقاة قرب وادي الديك بمنطقة المسعدين، أكدت مصادر أمنية حينها أن جثة الرضيع كانت تحمل آثار عنف على مستوى الرأس.

تلتها حادثة أخرى يوم 16 من الشهر ذاته، جثة جنين عثر عليها حارس أحد المصانع بحي العوينة ملفوفة في كيس بلاستيكي ملقاة بمحيط المصنع، وتبين أن الجنين من جنس الإناث لم يكمل فترة الحمل داخل رحم والدته (لم يتجاوز 5 أشهر) وفق مصادر طبية . 

مولود آخر من جنس الذكور عثر عليه مواطن يوم 9 أفريل 2018 داخل حاوية فضلات أمام جامع حمزة بمنطقة حمام سوسة ليتبين اثر المعاينة الأولية للجثة أنه كان يحمل آثار خنق على مستوى الرقبة.

حادثة مماثلة جدت سنة 2017، الضحية كانت رضيعا حديث الولادة عثر عليه في مرحاض قسم الاستعجالي بمستشفى فرحات حشاد سوسة. وأفاد مصدر طبي حينها بأنّ جثّة المولود الجديد عثر عليه داخل كيس بلاستيكي، مرجّحا أن تكون عملية الولادة تمّت خارج المستشفى. 

وقبلها سنة 2014 تم العثور على جثة رضيع بإحدى غابات الزيتون بمنطقة سيدي بوعلي وضعته والدته داخل شاحنة شقيقها وبمعيته تخلصت منه عبر رميه في الغابة مما تسبب في وفاته جراء الإهمال والتقصير وتم التعرف على هوية الأم وصدرت في شأنها عقوبة سجنية.

جرائم تتسم بالغموض والكشف عن مرتكبيها صعب في أغلب الأحيان، فهي ليست جريمة قتل عادية بل قتل أم لفلذة كبدها درءً للعار والفضيحة لعدم قدرتها على مواجهة واقعها والمجتمع وغالبا ما تكون هذه الأم العزباء ذات مستوى تعليمي ومادي متدنّ وتعيش في وسط ريفي. 

عدم الكشف عن هوية الأم العزباء في هذه القضايا يعود أساسا إلى كون المكان الذي ترتكب فيه هذه الأم جريمتها ليس مرجع نظرها، إذ غالبا ما تحاول الأمهات طمس معالم الجريمة في أبعد مكان يمكنهن الوصول إليه، إضافة إلى أن الرضيع حديث الولادة ليست له هوية تسهّل عملية الكشف عن ذويه، فيتم حفظ القضية مؤقتا لعدم التوصل لمعرفة الجاني لكن في صورة ظهور أدلة جديدة تستأنف الأبحاث مجددا. 

*جرائم قتل الوِلدان.. والعقوبات القانونية

كشف رئيس الهيئة الوطنية لاختصاص الطب الشرعي الأستاذ محمد بن ذياب أن 60 بالمائة من أسباب وفاة الرضّع الذين يتم إنجابهم خارج إطار الزواج تتوزع كالتالي: 60 %  تعود إلى تعنيفهم و30 % بسبب الإهمال و10 % يولدون في حالة وفاة. 

وفور وصول جثة الرضيع أو الجنين إلى المستشفى الجامعي فرحات حشاد للتشريح، أوضح بن صوف أنه تتم معاينة الجثة من الخارج ثم القيام بعملية تشريح دقيقة والتثبت من الوزن والطول لتحديد سن الرضيع أو سن الحمل إن تعلق الأمر بجنين لم تكتمل فترة نموه، علاوة عن التثبت من عملية وضع الرضيع حيا أم في حالة وفاة، و إن كانت الوفاة خارج رحم والدته أم في البطن. 

كما يتم أخذ العينات اللازمة للرضيع وتسليمها لأحد المخابر الخاصة للكشف عن هوية الأم إن أمكن. 

ووفق ما أثبتته دراسات قانونية و قضائية؛ فإن جرائم قتل الولدان في انخفاض مستمر حيث تم خلال الفترة الممتدة بين1977 و 2016 تسجيل 513 حالة قتل. وفي ظرف 7 سنوات من 1989 إلى 1995 تم تسجيل 42 حالة في ولاية سوسة، وفق ما أفادت به الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية سوسة 2 إيمان حميدة .

وأكدت حميدة أن العدد تراجع حيث تم تسجيل حالتين فقط خلال سنتي 2014 و 2018 مرجعة ذلك إلى وجود قوانين تنظم عملية الإجهاض لا سيما قانون إسناد اللقب العائلي.

وقد تحدثنا مع الناطق الرسمي باسم المحكمة الإبتدائية سوسة 1 محمد حلمي الميساوي حول هذا الموضوع الذي أفاد بأنه تم تسجيل 5 أو 6 قضايا خلال العامين الماضيين و كشف أنه في أغلب هذه القضايا لم يتم التعرف على هوية الأم. 

جرائم قتل الوليد يعاقب عليها القانون فبعد أن كانت عقوبتها الإعدام، خفّف المُشرّع  منها آخذا بعين الإعتبار الظروف والبعد الإجتماعي، إلى 10 سنوات وفقا للفصل 211 من المجلة الجزائية.

*المحاماة تنادي بمعالجة الأسباب

أما المحامي سهيل مديمغ فله رأي مخالف، حيث اعتبر أن المعالجة القانونية لقضايا قتل الوليد هي معالجة محدودة وأن المنظومة القانونية عاجزة عن فهم هذه الظاهرة والتصدي لأشكال الإستغلال الجنسي والاجتماعي التي تؤدي في أغلب الوضعيات إلى مثل هذه الجرائم خوفا من العار الذي سيلحق الأم العزباء ومن ردة فعل المجتمع. 

كما اعتبر مديمغ أن القانون محدود في معالجة أسباب الجريمة وأن العقوبة لا تحل المشكل بل وجب إرساء مقاربة اجتماعية نفسية ومعالجة الأسباب منذ البداية حتى تكون للمجتمع الحصانة الكافية لفهم الظاهرة دون إطلاق أحكام أخلاقوية تمثل حالة انفصام اجتماعي. 

*رأي الأئمة 

في حين يرى منير الرباعي وهو إمام خطيب بجامع أبو حامد الفرابي بسوسة، أن الله تعالى خلق الذكر والأنثى وجعل الزواج الإطار الشرعي من أجل تواصل النسل وعمارة الكون، ''وما عدا ذلك يسمى زنا والزواج هو ارتباط مقدس وعلاقة شرعية أباحها الله بمقتضى النص القرآني والسنة النبوية''.

جريمة قتل الوليد تكتسي خطورة من جهة وتعكس نتائج ظواهر إجتماعية من جهة أخرى، ومن المعلوم أن القضاء الجزائي هو قانون جزري يعاقب عليها ولكن من الحلول أيضا المرافقة وإيواء الأمهات العازبات وتحسيسهن بأن القانون يسمح لهن بإسقاط الجنين وإعطائه هوية افتراضية عند وضعه بعيدا عن قتله ودرء الفضيحة.

 

*إيناس الهمامي*