languageFrançais

خالد الغزلاني.. قصة رجل ''لم يصالح ولم يتوخّ الهرب''

''الأم المثالية'' فاطمة الغزلاني، كما كان قد كرّمها رئيس الجمهورية بعد لوعتها الأولى، صارت اليوم أما لشهيدين قتلتهما يد الغدر في عقر دارهما، وجدة ثكلى لثمانية أيتام لا أحد يعرف مصيرهم، ومشهد الإغتيال هذه المرة، جاء مماثلا لمشهدي إغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، قتلٌ بدماء باردة أمام المنزل وفي وضح النهار.

خالد الغزلاني، رجل بسيط يحمل أخلاق أهل الريف ومروءتهم. لم يصمت ولم يخف ولم يفكّر كثيرا في ما يفعله حين قتلوا أخاه، لاحقهم وأطلق رصاصاته القليلة وأصاب منهم من أصاب وفرّوا تاركين دوابا ومؤونة كانوا سيسطون عليها. وتحدث حينها عن الواقعة بوجه مكشوف، وتحداهم وذكر أسماء ''أبناء العم'' ممن خانوا الدم والملح، منهم الإرهابي منتصر الغزلاني إبن عمه و''شقيقه'' من الرضاعة الذي لم يصن الثدي الذي أرضعه وكال ركلة لفاطمة العجوز بعد أن قاد عملية قتل فلذة كبدها.. 

بملامحه القوية وعفوية أهل الجبال، خطب الرجل طويلا عن الشجاعة والأرض والعرض، وشهد له كثيرون من أهله بأنه كان شجاعا حدّ التهوّر أحيانا.. شجاعة سرّعت موته الذي قال مرارا إنه لا يخشاه.

 

 

خالد تحوّلت حياته منذ ذلك اليوم المشؤوم من نوفمبر 2016، وعوض أن يكون بطلا محميا وتكافئه الدولة لبسالته وتعوّض له ولعائلته عن فقدانهم، وجد نفسه مرغما على الفرار والتشرد من مدينة إلى أخرى بحثا عن القوت وعن الأمان. جفّ حلقه وبحّ صوته وهو يُطلق النداء وراء النداء للدولة وللسلطات من أجل التدخل وتوفير مسكن آمن ومصدر رزق له ولعائلته، أو تمكينه من سلاح للدفاع عن نفسه وعن عائلته.. وبلا مجيب.

وفي جانفي 2017 قدّمت اللجنة المحلية للتضامن الاجتماعي بسبيبة من ولاية القصرين 1000 دينار لعائلة الغزلاني لمساعدتها على إكتراء مسكن جديد بعيدا عن ''دوار الخرايفية'' المتاخم للجبل، بعد أن إعتصمت العائلة بمقر المعتمدية لمطالبة الدولة بتنفيذ وعودها وبعد إضراب الأشقاء وعائلاتهم عن الطعام للمطالبة بتوفير مسكن لهم في العاصمة كما كانت قد وعدتهم.

أياما بعدها، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني إن الحكومة ستفتح تحقيقا حول ما تتعرض له عائلة الشهيد سعيد الغزلاني وستتم مساعدتها في اقرب الآجال. في حين لم يتم في النهاية لا توفير مسكن ولا حتى حماية لأفراد هذه العائلة التي وجدت نفسها مخيّرة بين التشرد أو العيش مع هاجس الموت. وخالد الذي ترجّاه أهله منذ مدّة أن يعود من حيث قدم وأن لا يمكث في بيته كثيرا لأن رأسه مطلوب من الجرذان المتحصنة في الجبال، طبّق دعوات أمل دنقل في قصيدته ''لا تصالح''، ولم يصالح ولم يتوخّ الهرب..

''لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!''

نهاية خالد كان ينتظرها الشهيد نفسه وتوقّعها جيرانه وأقاربه طويلا، وهي نهاية حذّر منها الشهيد وإستجار الدولة طويلا حتى تحميه، واليوم قد يكون أفراد آخرون من العائلة نفسها في خطر محدق، فهل ستتحرك السلطات أخيرا وتحمي من تبقى من هذه العائلة التي ظلمتها الجغرافيا والسياسات ؟ وهل ستقف الدولة لمواطنيها الذين لم يخونوا ولم يبيعوا ودفعوا دماءهم وأمن أطفالهم ثمنا.. وهل سنرى تحركا حقيقيا وجديا من سلطة طالما حدّثت أهالي الجبال عن الوطنية والإنتماء والتضحية؟ 

لا بدّ من أن تكون رسالة الدولة قوية إتجاه ما حصل، وأن يعرف القاطنون على خط النار أنهم أقوياء بها وأن سكان الجحور خاسرون لا محالة، كما أن هجر الأهالي الخائفين لدورهم وتركها غنيمة سهلة للإرهابيين وجب أن ينتهي.

 

أمل الهذيلي