languageFrançais

''وسيلة بورقيبة.. يدٌ خفيّة حكمت تونس وطموحها أطاح بها''

تحدّث المؤرخ والأستاذ الجامعي نور الدين الدقي في برنامج ''جاوب حمزة'' اليوم الأحد 29 جانفي 2023 عن الدور الخفيّ الذي لعبته وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في تاريخ تونس.

وأكّد أنّ وسيلة بورقيبة هي نتاج تطور في الوسط التونسي الذي بدأ حينها في الانفتاح، مشيرا إلى أنها كانت عضو في منظمة نسوية منذ سنّ الـ18 ولعبت دورا كبيرا وكان لها عقل سياسي.

وفي مقارنة بدور ''ساكنة قرطاج'' السابقة ليلى بن علي، بيّن الدقي أنّ زوجة الراحل زين العابدين بن علي ما زالت تنتمي إلى ''التاريخ الساخن'' رغم أنها لم تلعب أدوارا في رسم خيارات البلاد، مستدركا "وسيلة بن عمار لم تكن مناضلة سياسية من الصف الأول رغم انها تلقت تكوينا سياسيا من والدها محمد بن عمار أحد مؤسسي الحزب الدستوري لكن تعرفها على بورقيبة كان المنعرج".

وقال المؤرخ والأستاذ الجامعي نور الدين الدقي إنّ الفرق بين ليلى بن علي ووسيلة بن عمّار أنّ الأخيرة لم تكن تنوي المسك بمقاليد السلطة بنفسها عكس ليلى بن علي الذي أصبح جليا منذ 2009 رغبتها في لعب أدوار سياسية متقدمة وأصبح ظهورها الإعلامي كاسحا وتأكّد ذلك خلال الحملة الانتخابية، وفق تعبيره.

وأضاف نور الدين الدقي "بالعودة للحديث عن علاقة الحبيب بورقيبة ووسيلة بن عمار فقد عاشا قصة حبّ وعلاقة تتجاوز حدود المعروف.. إذ لم يكن قادرا على مفارقتها ولم ينفصلا منذ 1943 إلى يوم خروجها من القصر في 1986".

مدنّيون اغتالوا صالح بن يوسف ولا علاقة للأجهزة الأمنية بذلك

وبالعودة إلى الأحداث التي شهدتها تونس، تطرّق ضيف "جاوب حمزة" إلى قضية اغتيال السياسي صالح بن يوسف، معتبرا أنّه وحسب بعض الوثائق والمصادر التي عايشت تلك الفترة فان الواقعة تعتبر "جريمة دولة"، متابعا "اغتيال صالح بن يوسف لم يتم لأنه أهان وسيلة بورقيبة بل لأنه كان يجهّز لانقلاب على بورقيبة".

وقال الدقي إنّ وسيلة بورقيبة وشقيقتها نائلة كانتا قد أفسدتا اجتماعا لبن يوسف في القيروان سنة 1955 رفقة مجموعة من النساء حيث قمن بالهتاف باسم بورقيبة وغناء النشيد الوطني ليتعرضن فيما بعد للتعنيف والضرب الأمر الذي دفع بورقيبة إلى تنظيم "اجتماع مضادّ" حضره حوالي 25 ألف شخص تمّ تجنيدهم من ولايات أخرى لمحو بصمة بن يوسف من القيروان التي تعدّ ولاية ذات وزن هام.

وكشف أنّه منذ سنة 1958 بدأ التخطيط لاغتيال بن يوسف الذي كان حذرا في التنقّل بين مصر وسويسرا وألمانيا، ليتمّ ذلك يوم 12 أوت 1961، مشددا على أنّ الجهة التي قامت بالعملية ليست الاجهزة الأمنية التونسية الرسمية بل من المدنيين.

أجهزة تنصّت داخل قصر قرطاج وعلاقة خاصة بالقذافي

موضوع آخر، تحدّث عنه المؤرخ والأستاذ الجامعي نور الدين الدقي وهو "جواسيس وسيلة بورقيبة الذين زرعتهم داخل قصر قرطاج الذي أشرفت على بنائه"، وأكّد أنّ المسألة الثابتة هي أن زوجة الحبيب بورقيبة قامت بتركيز أجهزة استماع داخل مكتب الرئيس.

ولفت إلى أنّ الحديث عن تواصلها مع الإقامة العامة لنقل أخبار قصر قرطاج غير ثابت ويبقى مجرّد شبهة، قائلا "لا نعرف إلى الآن إن كانت وسيلة بورقيبة استغلت المعلومات التي تحصّلت عليها ونقلها أم كان ذلك بسبب هوسها بمعرفة كلّ شيء". 

وشدّد الدقي على أنه لا يستطيع نفي أو تأكيد معلومة قيامها بالتنصت على بورقيبة وتزويد رئيس ليبيا الراحل معمر القذافي بالمعلومات سنة 1986 "لكن الجميع يعلم أن علاقتهما كانت وطيدة وكان لها قدرة رهيبة على استرضاء القذافي وهي الشخصية الوحيدة التي تمكنت من  ترويضه وكسب ثقته.. لكنها كانت ترفض بشدّة فكرة الوحدة بين ليبيا وتونس لأنها كانت تعلم مطامع القذافي الذي كان في ريعان الشباب في حين كان بورقيبة يتقدّم في السنّ والوحدة تعني انتهاء مستقبلها السياسي" حسب تعبيره.

وسيلة بورقيبة رفضت تجربة التعاضد فأججت الأوضاع لإنهائها

وبالعودة إلى انخراط تونس في التجربة الاشتراكية، بيّن نور الدين الدقي أن أحمد بن صالح عرض الفكرة على بورقيبة في 1956 وحاول إقناعه أن مستقبل تونس في الإصلاح الزراعي وبناء أقطاب صناعية كبرى وأن الدولة ستصبح الفاعل الاقتصادي الرئيسي لكنه رفض قبل أن يوافق على ذلك بعد دخول مصر في التجربة الاشتراكية سنة 1961 إضافة إلى نصف الدول الأفريقية.

وقال "بن صالح كان شخصية سياسية مرموقة ووازنة ونجح في إقناع بورقيبة خاصّة أنه كان من بناة التخطيط الاستراتيجي في تونس لكن وسيلة بورقيبة كانت ضد تجربة التعاضد لأنها هي فلاحة وتملك حوالي 300 هكتار من الأراضي الفلاحية وتعلم جيّدا أن الفلاحين لن يتخلوا بسهولة عن أراضيهم فسعت إلى إفشال وإسقاط هذه التجربة ولعبة ورقة تعفين الأوضاع بنقل الأخبار المغلوطة وزرع الدسائس".

وتابع الدقي "وسيلة بورقيبة كان لها ولاة طوع أمرها قاموا بسجن الفلاحين الرافضين لافتكاك أراضيهم في خطوة لمزيد تعكير الأوضاع بالتزامن مع قرار بورقيبة تعميم التعاضد في 1968 مما خلق حالة من الغضب الشعبي فوصلت الأخبار إلى القصر ثم وقعت "حادثة الوردانين" التي قُتل خلالها مواطنون رافضون لفكرة التعاضد ليفهم حينها بورقيبة أنّ هناك حالة من التمرّد على قراراته في صفوف المواطنين فقرر إيقاف تجربة التعاضد ومحاكمة بن صالح".

وسيلة بورقيبة والقذافي تحالفا للتخلص من الهادي نويرة

تطرّق ضيف "جاوب حمزة" إلى رغبة وسيلة بورقيبة في التخلص من  الوزير الأول الهادي نويرة وتحالفها مع معمر القذافي الذي كان يعتبر أن نويرة هو المتسبب في فشل مشروع الوحدة بين تونس وليبيا، وأضاف "أرسل القذافي كومندوس لاغتيال الهادي نويرة لكن تم القبض عليه سنة 1974 وفشلت الخطّة".

وأشار المؤرخ والأستاذ الجامعي نور الدين الدقي إلى أن الهادي نويرة كان رجل دولة واقتصاد بامتياز وهو أول محافظ للبنك المركزي التونسي "اصطفاه بورقيبة ليكون وزيرا أول ورفض تجربة التعاضد والتوجه الاشتراكي للدولة لأنه ليبرالي، كان يرى أن تونس دولة هشة في حاجة للاستثمار ونجح في إدخال البلاد تدريجيا في اقتصاد السوق كما كان له دور كبير في جلب الاستثمارات الأجنبية ونجح في زرع نواة صناعات موجهة للتصدير قيمتها المضافة ضعيفة لكن قدرتها التشغيلية عالية مما ساعد تونس على تحقيق نسب نمو بلغت آنذاك 11% .. نويرة كان الخليفة الدستوري لبورقيبة لكنه لم يكن مستعدا لخفض جناح الذل لوسيلة وكان يرفض أن تملي التعليمات عليه لهذا لم يكن من المقربين منها وتمت الإطاحة به بعد العملية المسلّحة في قفصة في جانفي 1980 للإطاحة بنظام بورقيبة بتآمر من القذافي، قبل أن يتولّى وزير التربية محمد مزالي منصب وزير أول في أفريل 1980".

وأكّد أن وسيلة بورقيبة كلّما برزت شخصية سياسية وازنة في تونس إلا وتحالفت معها أو انقلبت عليها وأزاحتها بمجرد زوال الانتفاع بخدماتهم، مشيرا إلى أنها تحالفت مع كل زعماء النقابات بما في ذلك أحمد بن صالح والحبيب عاشور وحمد التليلي.

وأوضح أن الدستور التونسي ينصّ على أن خليفة رئيس الجمهورية عند وقوع شغور هو الوزير الأول، لهذا منعت وسيلة بورقيبة وصول محمد الصياح لهذا المنصب رغم أنه كان مقرّبا من زوجها وكان المؤرخ الذي مجّد نضاله لسنوات كما قامت بالتقرب من أغلب قدماء المناضلين لأن بورقيبة كان يستمع إليهم ويستشيرهم.

نهاية العلاقة بين بورقيبة ووسيلة بن عمار

عن أسباب الطلاق بين الحبيب بورقيبة ووسيلة بن عمار، أكّد المؤرخ والأستاذ الجامعي نور الدين الدقي أن حوارها مع مجلّة " Jeune Afrique" وانتقادها لنظام الحكم لم يكن السبب المباشر في انتهاء العلاقة بل مجرّد تعلّة.

وبيّن أنها لطالما مارست المساومة العاطفية مع رئيس الجمهورية السابق "فعندما ترغب في الضغط عليه لتمرير قرار تسافر وتتركه وحيدا عندها يرضخ لطلبها وينفذه دون نقاش.. لم تكن تعلم أنّ الطبيعة تأبى الفراغ وأن رحلتها الأخيرة إلى السعودية ستكون فرصة لتأخذ مكانها شخصية جديدة".

وتابع الدقي "امرأة جديدة ظهرت في حياة بورقيبة سنة 1983 وعندما كان في وهن صحي كانت هي شابة في مقتبل العمر تلقت تعليما راقيا وتتمتع بفطنة سياسيّة كبيرة ما جعله شغوفا بها ووقع في حبّها..  أضف إلى ذلك الدور الذي لعبته ابنة شقيقته سعيدة ساسي التي تعدّ الغريمة الأساسية لوسيلة بورقيبة في مزيد تعكير الأوضاع بينهما".

وقال "وسيلة لم تكن تتخيّل أن يكون بورقيبة قادرا على تعويضها بشابّة حسناء فكانت بداية نهاية علاقتهما.. وبسبب دسائس سعيدة ساسي أضف إلى ذلك الحوار الذي أجرته مع "Jeune Afrique" في وقت غير مناسب وقولها إن الدستور التونسي يتجاهل الإرادة الشعبية لأنه يخول الخلافة للوزير الأول.. كلّ هذه الأسباب دفعت بورقيبة إلى إنهاء العلاقة بالطلاق". 

*أميرة العلبوشي