أطفال غزة: شكرا على المشاهدة.. سنخبر الله بكل شيء
غزة تفقد أطفالها ولم تفقد كرامتها ..
في غزة، حيث يتشابك الألم والجوع والحصار وتتلاقى أوجاع لا تُحصى ولا تعد، يدفع الأطفال الثمن الأكبر للصراع المستمر والحصار الخانق، ليعزز شعورا أعمق وأكثر تدميرا من قسوة الجوع والعطش والقصف والقنص.. شعور الخذلان.
هناك في غزة، يتابع العالم اليوم قصصا حقيقية لأرواح صغيرة تُزهق في صمت.. أطفال يفارقون الحياة أمام عدسات الكاميرا بسبب الجفاف وسوء التغذية الحاد، والهزال الشديد، بعد اخوانهم السابقين الذين استشهدوا بردا أمام تجاهل متعمد ووعود كاذبة وصمت دولي مطبق.
رجال .. نساء وأطفال يسقطون مغشيا عليهم من شدة الجوع.. ثم ينهضون وفي صدورهم صرخات مكتومة وسط شعور عميق بالوحدة والعزلة والعجز.. لقد نادوا ''وينكم يا عرب'' منذ 655 يوما والعرب لعبوا لعبة ''الاذان الصماء''.. وهنا لا يجب أن نكون من ناكري الجميل لأن بعضهم لبّ النداء فعلا وأرسل أكفانا.
'يا عرب نحن جائعون'.. هكذا ينادي أهالي غزة وهم محاصرون بين القصف والإبادة والتنكيل والتجويع والاغتصاب والتعذيب، أمام عالم خذلهم وتخلى عنهم في أحلك الظروف واكتفى بمشاهدة جرائم حرب يتابعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيكتفي بمجرد تعليق 'كلنا غزة' أو بدعاء من فوق المنابر..
عالم يتحمل رؤية أطفال يتضورون جوعا بينما المساعدات لا تصل.. عالم صامت إزاء الإبادة المتواصلة منذ 2023 وكأن أرواحهم ليست ذات قيمة..

الجوع يفتك بالجسد.. والخذلان ينهش الروح
هناك في القطاع، تنتفي حقوق الانسان وتلغى جميع المواثيق الدولية، لتُحرم عائلات من أبسط مقومات الحياة.. يصارعون من أجل البقاء ويغامرون نحو ''مصائد الموت'' للحصول على مساعدات، وحتى وإن استشهدوا رميا بالرصاص فإن الناجين منهم يعودون إلى المكان ذاته علّهم يتحصلون على ما يسكتون به بطونا جائعة.
فكلمة ''خذلان'' التي قد تبدو بسيطة في سياقات أخرى تحمل اليوم في غزة ثقلا هائلا.. هناك في غزة يفتك الجوع بالأجساد، وينهش الخذلان الروح، مخلفا ندوبا قد لا تلتئم يوما.. فهم يرون العالم يراقب بصمت بينما تتفاقم معاناتهم، ويسمعون إدانات محتشمة على همجية محتل غاصب، لا تُغير شيئا على أرض الواقع، .. وهذا التناقض بين حجم المأساة وحجم الاستجابة الدولية هو ما يولد إحساساً عميقاً بالخذلان..
الخذلان أنواع في غزة..
عاش الغزاويون أنواعا من الخذلان من الجيران، الأشقاء والمجتمع الدولي، وخاصة من الإنسانية جمعاء.. فتمادي الاحتلال وغطرسته أكدت فشل المؤسسات الدولية التي تأسست لحماية حقوق الإنسان في أداء واجبها، فلا قرارات أممية تُنفذ، ونداءات إنسانية تُقابل بالتجاهل أو المماطلة.
وثبت بالكاشف أنّ غزة لا تعاني فقط من التجويع وسوء التغذية، بل أيضا من نقص الدعم الأخلاقي والمعنوي.. الألم الحقيقي ليس فقط في البطون الخاوية، بل في الأرواح المثقلة بعبء الخذلان.
هم تُركوا وحيدين في مواجهة مصيرهم.. يراقبون العالم يحتفل ويعيش حياته الطبيعية بينما هم يدفنون شهدائهم ويفتشون عن كسرة خبز، يتولد لديهم شعور بأن الإنسانية قد فقدت بوصلتها، وأن قيم التعاطف والتضامن أصبحت مجرد شعارات جوفاء.

غزة تفقد أطفالها ولم تفقد كرامتها ..
اعتادت غزة على مرارة الحصار والعدوان لعقود، ولطالما قدمت أبناءها شهداء لكنها لم تفقد كرامتها يوما، ولم تغادر أرضها بل حاربت وربت أطفالها بأن القضية لا تسقط بالتقدام وبأن الحق الفلسطيني قائم لا يموت، مستلهمة قوتها من زعماء عرب لم يتعاطفوا مع القضية بل تبنوها .. لكن العروبة اليوم احترفت النسيان وارتكبت الخيانة العظمى ''التطبيع''..
يقول المثل 'الساكت عن الحق شيطان أخرس'، والعرب خرسوا للأسف.. غزة تباد وتموت جوعا أمام عالم جبان صامت لطالما تشدق علينا بحقوق الانسان ورفع شعارات تضامن ودعم واهية.

سياسات دولية متخاذلة.. وخطابات منمقة
سياسات دولية متخاذلة.. خطابات منمقة لا تُترجم إلى أفعال.. هم يرون العالم يراقب بصمت بينما تتفاقم معاناتهم، ويسمعون إدانات خجولة لا تُغير شيئاً على واقع الأرض.. كل يوم يمر، ومع كل طفل يموت جوعا، وكل مستشفى ينهار، وكل نداء استغاثة لا يُستجاب له، يتعمق شعور الخذلان ليصبح جرحا مفتوحا في قلب غزة.
فهذا الوجع العميق يحتاج إلى أكثر من مجرد مساعدات إنسانية، بل يتطلب صحوة ضمير عالمية وعربية بصفة خاصة، واعترافا بأن صمت العالم هو شكل من أشكال التواطؤ، وأن الخذلان هو الجريمة الأكبر التي ترتكب بحق إنسانية شعب بأكمله..
غزة اليوم تفقد أطفالها قصفا وقنصا وبردا وجوعا لكنها لم تفقد كرامتها يوما.. لقد أثبتت أنها حرة وسط عالم محتل وأن الحرية ليست للمساومة.. وأنها نكبة فإبادة فنهضة..
*غادة مالكي