الهند وباكستان.. أصل النزاع
لليلة الرابعة تتبادل الهند وباكستان إطلاق النار عبر حدود كشمير، بعد التوترات الأخيرة التي اتخذت خلالها الدولتان النوويتان سلسلة من التدابير المتبادلة، حيث علقت الهند معاهدة مياه نهر السند، فيما أغلقت باكستان مجالها الجوي أمام الخطوط الجوية الهندية.
التوتّرات الأخيرة.. كيف بدأت؟
ألقت حادثة إطلاق النار على مجموعة من السياح في منطقة "بهلغام"، الواقعة في الشطر الهندي من كشمير، ظلالها على العلاقات بين البلدين.
وقد أدى الحادث الذي وقع في 22 أفريل 2025 إلى مقتل 24 شخصا على الأقل وجرح العشرات، وأعلنت جماعة محلية مسؤوليتها عن الهجوم، بينما اتهمت الهند الجيش الباكستاني بالوقوف وراء العملية وسارعت إلى اتخاذ إجراءات ضد باكستان، فعلقت العمل بمعاهدة "نهر السند"، المعنية بتقاسم مياه النهر، كما أغلقت المعابر البرية الحدودية مع باكستان، وخفضت التمثيل الدبلوماسي، وألغت تسهيلات التأشيرات وطردت مستشاري الدفاع الباكستانيين، بعد اتهام إسلام أباد بدعم "الإرهاب العابر للحدود".
من جانبها، نفت الباكستان علاقتها بهجوم كشمير، واعتبرت الإجراءات الهندية ذريعة للتصعيد، وحذرت من رد فعل قوي في حال انتهاك سيادة البلاد.
وقال وزير السكك الحديدية الباكستاني حنيف عباسي اليوم الاثنين، مخاطبا الهند، إنّ صواريخ 'غوري' و'شاهين' و'غزنوي' النووية الباكستانية مصوّبة نحو الهند وليست مجرد 'زينة تعرض في الشوارع'.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي للوزير الباكستاني قال فيه: "إذا أوقفتم مياهنا سنوقف أنفاسكم"، مضيفا: ''باكستان مستعدة لقتال الهند وتخيلوا أنكم تطلقون صاروخا واحدا، فنرد عليكم بـ 200. ما مصيركم؟ إلى أين ستهربون؟ لا تهددونا، فنحن مستعدون لمحاربتكم، لسنا جبناء".
وقال المسؤول في الشطر الباكستاني من كشمير سيد أشفق جيلاني أمس الجمعة "وقع تبادل لإطلاق النار بين موقعين في وادي ليبا خلال الليل، ولم يتم استهداف السكان المدنيين والحياة مستمرّة والمدارس مفتوحة".
وأكد الجيش الهندي وقوع إطلاق النار بأسلحة خفيفة، قائلا إن باكستان نفذته، وإنه تمّ الرد عليه بفعالية.
ودمّر الجيش الهندي بالمتفجّرات منزلين أفيد بأنّهما لعائلات منفذي الهجوم، في حين صوّت مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع على قرار يرفض اتهامات الهند "التي لا أساس لها" ويحذر من أنّ باكستان مستعدّة للدفاع عن نفسها.

الأمم المتحدة تتدخّل
بعد يومين على تصاعد التوتر بين البلدين، تحركت الأمم المتحدة ودعت الهند وباكستان إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وإيجاد حلّ سلمي، بين الدولتين التي تتسم العلاقات بينهما بالتوتر أصلا، على خلفية النزاع الحدودي المتواصل بين البلدين منذ 1947، فما هو أصل النزاع؟
الحروب الباكستانية الهندية
الحروب الباكستانية الهندية تعود لسنة 1947 أي منذ تقسيم شبه جزيرة الهند كجزء من تداعيات الحرب العالمية الثانية وأقر البرلمان البريطاني في جويلية من عام 1947 قانون استقلال الهند، وأمر بترسيم حدود الهند وباكستان بحلول منتصف ليل 14-15 أوت من عام 1947 .
في تلك الليلة احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا، وفي اليوم التالي احتفلت الهند بالاستقلال أيضا عن التاج البريطاني وذلك بعد أن انسحبت بريطانيا من بلد كانت تعتبره درة تاجها الإمبراطوري، وخلفت وراءها دولتين مستقلتين وهما الهند العلمانية ذات الغالبية الهندوسية وباكستان الإسلامية.

لويس مونتباتن نائب الملك والحاكم العام للهند الذي أشرف على تقسيم الهند إلى الهند وباكستان
مآسي التقسيم
جلبت عملية التقسيم معها واحدة من أكبر مآسي القرن العشرين، فقد كان عدد سكان الهند آنذاك يناهز 400 مليون نسمة، غالبيتهم من الهندوس، وكان المسلمون يشكلون 25 في المائة تقريبا من مجموع سكان البلاد.
وقبيل إعلان استقلال الدولتين، اندلعت صدامات بين الهندوس والمسلمين، ولكن أحدا لم يتوقع مستوى العنف الذي اندلع عقب التقسيم.
فعندما أعلن قرار التقسيم، نزح 12 مليون لاجئ على الأقل من إحدى الدولتين إلى الدولة الأخرى، وقتل في العنف الطائفي نصف مليون إلى مليون شخص على الأقل كما اختطف عشرات الآلاف من النساء.
ولم تتعاف العلاقات الهندية الباكستانية أبدا من أثر التقسيم إلى اليوم!

من اليسار.. الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، والمندوب السامي البريطاني في الهند اللورد ماونتباتن، وزعيم المسلمين في الهند محمد علي جناح
مشكلة كشمير
خلال العقود الماضية ظلت منطقة كشمير محل نزاع بين الهند وباكستان، فمنذ تقسيم الهند وقيام باكستان عام 1947 وقعت صراعات بين البلدين حول منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، والتي يطالب البلدان بالسيادة عليها.
وتعد كشمير اليوم واحدة من أكثر المناطق المدججة بالسلاح في العالم، فيما تدير الصين أجزاء من الإقليم.
وكانت كشمير دائماً موضع خلاف بين كل من باكستان والهند حتى قبل الاستقلال عن بريطانيا عام 1947.
فبموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي، كان لدى كشمير الحرية في اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان. واختار وقتها حاكمها "هاري سينغ''، الهند، فاندلعت الحرب عام 1947 واستمرت مدة عامين.
ودخلت كشمير مرحلة الصراع بين الهند وباكستان، وبدأت حرب أخرى في عام 1965، في حين خاضت الهند صراعاً قصيراً، مع قوات مدعومة من باكستان في عام 1999 . وفي تلك الفترة، أعلنت كل من الهند وباكستان أنهما قوتان نوويتان.

ويشكل المسلمون في ولايتي جامو وكشمير الخاضعتين للإدارة الهندية أكثر من 60 في المائة من نسبة السكان، مما يجعلها الولاية الوحيدة داخل الهند ذات الغالبية المسلمة.
وشهدت المنطقة صراعات عديدة تفاقمت بسبب ارتفاع معدلات البطالة والشكاوى من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن.
وبدأت حالات العنف بالظهور في الولاية منذ عام 1989، لكن موجة العنف تجددت في عام 2016 بعد مقتل شخص يدعى 'برهان واني'، يبلغ من العمر 22 عاماً، وكانت له شعبية واسعة بين جيل الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى انفجار موجة من المظاهرات الضخمة في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين، ازدادت حالات العنف في الولاية، وخاصة بعد مقتل نحو ثلاثين شخصاً كانوا قد حضروا جنازته في مسقط رأسه، سريناغار في أعقاب اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن.
وفي عام 2018، قُتل أكثر من 500 شخص من المدنيين وقوات الأمن والمسلحين، وكان ذلك أعلى عدد من الضحايا خلال عقد من الزمن.
الأزمة الأخيرة.. الهند توقف تدفّق مياه نهر السند إلى باكستان
أوقفت الهند الأربعاء الفارط العمل بمعاهدة تقاسم المياه مع باكستان، وهي معاهدة رئيسية تنظم تقاسم مياه ستة أنهار في حوض نهر السند بين البلدين.
وصرح وكيل وزير الخارجية الهندية فيكرام ميسري للصحفيين في نيودلهي أنه "سيتم تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960 بأثر فوري، إلى أن تتخلى باكستان بشكل موثوق ولا رجعة فيه عن دعمها للإرهاب عبر الحدود".

معاهدة مياه نهر السند.. ماهي وعلى ماذا تنص؟
معاهدة مياه نهر السند (IWT) هي معاهدة لتوزيع المياه بين الهند وباكستان، تم ترتيبها والتفاوض عليها من قبل البنك الدولي، لاستخدام المياه المتاحة في نهر السند وروافده. تم التوقيع عليها في 19 سبتمبر 1960 من قبل رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نهرو والرئيس الباكستاني آنذاك أيوب خان.
وتمنح المعاهدة الهند السيطرة على مياه الأنهار الشرقية الثلاثة، وهي 'بياس' و'رافي' و'سوتليج'، والتي يبلغ متوسط تدفقها السنوي الإجمالي 41 مليار متر مكعب.
وتم منح السيطرة على الأنهار الغربية الثلاثة، 'السند' و'تشيناب و'جيلوم'، والتي يبلغ متوسط تدفقها السنوي الإجمالي 99 مليار متر مكعب، لباكستان.
وفقا لهذه المعاهدة حصلت الهند على السيطرة على 30٪ من إجمالي المياه التي تحملها الأنهار، بينما حصلت باكستان على 70٪. وتسمح المعاهدة للهند باستخدام مياه الأنهار الغربية للاستخدام المحدود للري والاستخدامات غير الاستهلاكية غير المحدودة مثل توليد الطاقة والملاحة وتعويم الممتلكات وتربية الأسماك وما إلى ذلك، كما تضع لوائح مفصلة للهند في مشاريع البناء على الأنهار الغربية.
تُقرّ مقدمة المعاهدة بحقوق والتزامات كل دولة في الاستخدام الأمثل لمياه نهر السند، بروح من حسن النية والصداقة والتعاون. ورغم أن المعاهدة لا ترتبط مباشرةً بالأمن القومي ، إلا أن باكستان، الواقعة جنوب مجرى نهر السند، تخشى أن تُسبب الهند فيضانات أو جفافًا في باكستان، في حال نشوب صراع محتمل.

التوتر بين البلدين مياه نهر السند:
1948: أوقفت نيودلهي تدفق مياه نهر السند، واشتكت باكستان.
1949: البنك الدولي يدخل على الخط كطرف ثالث في الأزمة.
1960: بعد 11 عاما من المفاوضات، تم التوقيع على اتفاقية نهر السند رسميا.
2025: الهند تعلق العمل بالمعاهدة في أعقاب هجوم باهالجام الدامي
واندلعت خلافات في الماضي عندما اعترضت باكستان على بعض مشاريع الطاقة الكهرومائية والبنية التحتية المائية الهندية، بحجة أنها ستقلل من تدفقات الأنهار وتنتهك المعاهدة. (حيث يعتمد أكثر من 80 في المائة من الزراعة في باكستان وحوالي ثلث طاقتها الكهرومائية على مياه حوض نهر السند).
وخلال السنوات الماضية، سعت باكستان والهند إلى اتباع سبل قانونية مختلفة بموجب المعاهدة التي رعاها البنك الدولي، لكن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها أي من الجانبين عن تعليق تدفق المياه، ومن الجدير بالذكر أن الهند كونها الدولة الواقعة أعلى النهر، تتمتع بميزة جغرافية تمنحها الأفضلية.
فهل بإمكان الهند حجز مياه حوض نهر السند أو تحويل مسارها، مما يحرم باكستان من شريان حياتها؟
* أميرة عكرمي