languageFrançais

هل تنجح الحكومة في وقف نزيف هجرة المستثمرين من تونس ؟؟

فيما يصادق مجلس نواب الشعب على قانون جديد للاستثمار ووسط الاستعداد لاستضافة مؤتمر دولي بحضور أكثر من ألف شركة أواخر شهر نوفمبر في مسعى لتخصيص 60 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد التونسي من خلال إطلاق مشاريع استثمارية منتجة، ما زال نزيف مغادرة المستثمرين الأجانب متواصلا.


مئات المؤسسات الاستثماريّة أغلقت أبوابها نهائيّا وغادرت تونس باتجاه دول أخرى في مقدمتها المغرب (حوالي 2600 رجل أعمال غادروا إلى المغرب) بحثا عن أوضاع سياسية واجتماعية هادئة وملائمة.


شركة "بتروفاك" البريطانية للخدمات النفطية على سبيل المثال كانت على وشك مغادرة البلاد بعد إعلانها يوم الأربعاء 21 سبتمبر عن وقف استثماراتها نهائيا بسبب تواصل توقف إنتاج الغاز المستمر منذ 9 أشهر.


الشركة البريطانيّة التي تستغلّ حقل غاز "الشرقي" بجزيرة قرقنة، راسلت الحكومة التونسية لإعلامها بالشروع في اتخاذ إجراءات المغادرة بعد وقفها الأجور والأشغال في الوحدة الصناعية وفي حقل الغاز، لعجزها واتحاد الشغل عن إيجاد حلّ للمعتصمين رغم تكرّر الاجتماعات الأمر الذي تسبّب في خسائر تقدّر بـ200 ألف دولار يوميّا.


توقّف عمل "بتروفاك" التي تؤمّن 12% من الإنتاج الوطني من الغاز، اضطرّ تونس إلى استيراد الغاز من الجزائر لتعويض النقص الناجم عن تعطل الإنتاج بكلفة تقدّر بحوالي 100 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، ولو غادرت البلاد لكانت طالبت تونس بغرامة تعادل قيمة الغاز الذي لم يقع إنتاجه طوال هذه الفترة اعتمادا على فصول "القوة القاهرة" التي تضمّنتها عقود الاستغلال.


ولحسن الحظّ وبفضل الجهود المبذولة والمفاوضات الماراطونيّة نجحت الحكومة في إثناء الشركة عن المغادرة في اللحظات الأخيرة، واستأنف الإنتاج يوم الثلاثاء 27 سبتمبر بعد التوافق حول القضايا التي كانت محل نزاع في قرقنة، ليتم إمضاء اتفاق يقضي بإنهاء جميع هذه القضايا والاستجابة لجميع المطالب.

أزمة "بتروفاك" حُلّت لكن حكومة يوسف الشاهد ما زالت تواجه العديد من الأزمات الشبيهة وفي قطاعات مختلفة، فحسب المدير العام لوكالة النهوض بالصناعة والتجديد سمير البشوال بلغ عدد المؤسسات المغلقة ما بين 2011 و2015 حوالي 1868 مؤسسة صناعية أي بمعدل 374 عملية غلق في السنة خلقت بطالة فنية لأكثر من 12000 عامل، جرّاء تفاقم الصعوبات المتمثّلة أساسا في تكرّر الإضرابات وتواصل الاعتصامات وتوقف الإنتاج مما أدّى إلى اختلال التوازنات الماليّة للبعض وإفلاس البعض الآخر.


الشركات المغلقة من بينها 300 مختصّة في النسيج والملابس (تسبّب في تسريح حوالي 40 ألف عامل) و36 في الصناعات الغذائية و20 شركة في قطاع الجلود والأحذية ليبلغ عدد مواطن الشغل المفقودة 12912 موطن شغل سنة 2015  مقابل 19711 في 2014 و37460 في 2011، كما سجلت الاستثمارات الأجنبية تراجعاً بنسبة 23.4 % خلال السداسية الأولى من 2016 لتبلغ قيمته 915.4 مليون دينار مقابل 1195.1 مليون دينار في 2015.


ولاية بنزرت على سبيل المثال شهدت إغلاق 4 مصانع في فترة قصيرة، آخرها مصنع 'برويال' للخياطة بجرزونة الذي أغلق أبوابه الأربعاء 21 سبتمبر وبصفة نهائيّة، قرار أحال 120 عاملا على البطالة بصفة فجئيّة.


وكان أصحاب كلّ من "أوتريكو" الذي يشغل 300 عاملا و"بيتانا" الذي يشغل  150 عاملا و"ريمومارتاكس" الذي يشغل 92 عاملا، قد قرّروا وضع حدّ لنشاطهم بالجهة بصفة فجئيّة.


 «SONES» معمل آخر أحال 450 عاملا على البطالة بمنطقة الزهراء من ولاية بن عروس، دون سابق إنذار على خلفية رفض العمال العمل لساعات إضافية سنة 2013.


إدارة مجمع "دراكسلماير" قرّرت بدورها تعليق نشاط مصنع الأسلاك الكهربائية في ولاية سليانة نهائيا بعد اقتحام المصنع من طرف أشخاص لا ينتمون للشركة والاعتداء على أعوان الحراسة، إثر قرار الإدارة عدم تجديد عقود بعض العمال المتعاقدين.


مصنع "الكابل" ببن عروس وحدة أخرى تشغّل 1100 عامل أغلق أبوابه أيضا مخلّفا وراءه عائلات دون عمل.


نفس الأمر قام به رجل أعمال بلجيكي يدعى " جاك برونو" قرّر غلق مؤسساته الصناعية الخمس في مطلع سنة 2013 بصفة فجئية والعودة إلى بلجيكيا مخلّفا وراءه أكثر من 2500 عاملا دون مورد رزق.


نزيف الغلق لم يتوقّف، ففرع شركة 'لير كوربوريشيان' الأمريكية بتونس خيّر عدم تجديد العقود وغلق أبوابه للتحوّل إلى المغرب، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، قرار أجبر 600 عامل على البحث عن عمل جديد.


ويذكر أنّ شركة 'لير كوربوريشيان' تضمّ 240 فرعا موزعين على 36 دولة حول العالم، وتوظّف حوالي 136 ألف موظف.


تتالي قرارات الغلق والمغادرة دفع العديد من المستثمرين الراغبين في بعض مشاريع إلى تأجيل استثماراتهم إلى حين "هدوء الوضع ووضوح الرؤية" خاصّة أمام الوعود التي قدّمها رئيس حكومة الوحدة الوطنيّة يوسف الشاهد الذي وعد بالتصدّي لكلّ الإعتصامات غير المشروعة لأنّ البلاد "تعيش حالة طوارئ اقتصاديّة"، اعتصامات بلغت حسب تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال شهر جويلية الماضي 568 تحركا جماعيا وفرديا مقابل 398 احتجاجا في شهر جوان.


الشاهد دعا النقابات إلى مساعدته لتحقيق السلم الإجتماعي لضمان عودة الاستثمارات ودفع عجلة الإقتصاد المتوقفة، وردّ أمين اتحاد الشغل حسين العباسي لم يتأخّر كثيرا حيث أوضح أنّ الهدنة الاجتماعيّة رهينة الاستجابة للاتفاقيات العالقة "لإخماد التوتّر" مع القواعد النقابيّة.


وبالتالي أصبح السلم الاجتماعي مرتبطا بمدى التزام "رجل القصبة" بالبنود المتفق عليها في وثيقة قرطاج، فهل سينجح رئيس الحكومة في إخماد هذا الفتيل؟ وهل سيتمكّن من إيجاد الحلول للملفات الحارقة التي خلفتها حكومة الصّيد ؟
 

أميرة العلبوشي