من الطاقة إلى الزراعة: خارطة طريق البنك الدولي لخلق 1.2 مليار فرصة عمل
واصلت مجموعة البنك الدولي العمل مع البلدان لتهيئة الظروف المواتية لتحقيق التقدم وإتاحة الفرص وبناء القدرة على الصمود، مع التركيز على أداة دعم واحدة قوية هي الوظائف واعتبرت مجموعة البنك الدولي أن سنة 2025 كانت سنة خلق الوظائف التي كانت على رأس أولوياتها وفي صميم جهودها الإنمائية و هدفا واضحا لكل مشروع باعتبار أن الوظائف ليست فقط أضمن طريق للخلاص من براثن الفقر، ولكنها تمنح أيضا الكرامة والأمل والاستقرار فهي تبني اقتصادات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقلل من الاحتياجات الإنسانية، وتحفز الطلب على السلع. كل هذا يسهم في ضمان استدامة التنمية وازدهارها حسب تقرير استعرضت فيه المجموعة أبرز أحداث سنة 2025 .
مع نمو السكان توقعات بحاجة العالم إلى زيادة إنتاج الغذاء ب30% بحلول 2050
وأشارت المجموعة إلى أن أحد أعظم التحولات الديموغرافية في تاريخ البشرية هي توقعات ببلوغ 1.2 مليار شاب في البلدان النامية إلى سن العمل خلال العقد المقبل، مما سيحدد ملامح القرن القادم ويعد توفير فرص عمل كافية لهم ضرورة ملحة، حيث يمكن أن تشكل هذه الميزة الديموغرافية عاملًا محفزاً للاقتصاد العالمي ولكن في حال عدم توفر الفرص، قد يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار وانتشار الاضطرابات والهجرة الجماعية، ما سيلقي بظلاله على كل منطقة واقتصاد في العالم وترى المجموعة أن الوظائف يجب أن تتصدر أي إستراتيجية إنمائية أو اقتصادية، حيث يركّز نهج البنك الدولي على القطاعات التي لديها قدرة كبيرة على خلق الوظائف وفرص العمل وتعزيز نمو الاقتصادات المحلية النشطة والنابضة بالحياة ومن هذه القطاعات هي: البنية التحتية والطاقة، والصناعات الزراعية، والرعاية الصحية، والسياحة، والتصنيع والصناعات التحويلية هذا وقد اطلق البنك بالفعل مبادرات إستراتيجية مع الشركاء في هذه المجالات الرئيسية.
وتمثل البنية التحتية القوية حجر الأساس للتنمية، فهي تربط الناس بالفرص وتساهم في تحسين أحوالهم المعيشية. ويُعَد توفير الطاقة المستدامة والموثوقة دون انقطاع بتكلفة ميسورة أمراً محورياً، حيث تسهم في دفع عجلة الاقتصاد وتقديم الخدمات وتحفيز خلق فرص العمل وتظل هذه الحاجة أكثر إلحاحاً في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يعاني نحو 600 مليون شخص من نقص إمدادات الكهرباء ولذلك أطلقت المجموعة المهمة 300 بالتعاون مع البنك الأفريقي للتنمية، وهي مبادرة طموحة تهدف لتوفير الكهرباء لنحو 300 مليون شخص في أفريقيا بحلول عام 2030، مما يدعم إنتاجية الأفراد والشركات.
ومنذ انطلاقها، تمكن 32 مليون شخص في المنطقة من الحصول على الكهرباء و جدير بالاعتبار أن سرعة معدل توصيل الكهرباء زاد ب1.5 مرة مقارنة بالسنوات السابقة حيث ، أطلقت 29 حكومة أفريقية مواثيق وطنية للطاقة. هذه المواثيق تسهم في حفز إصلاحات الطاقة ووضع مستهدفات جريئة لتهيئة الظروف لإحداث تحولات نوعية في مجال الطاقة في هذه البلدان.
مضاعفة استثمارات سنوية لصناعات زراعية لنحو 9 مليارات دولار أمريكي بحلول 2030
وتلعب الزراعة دوراً حيوياً في توفير فرص العمل وضمان الأمن الغذائي وفي البلدان النامية، يوفر هذا القطاع 40% من فرص العمل، فيما ينتج صغار المزارعين وأصحاب الحيازات الصغيرة معظم الغذاء العالمي ومع ذلك، يواجه العديد من هؤلاء المزارعين ظروف الفقر بسبب الممارسات التقليدية وضعف إمكانية الوصول إلى الأسواق، والحصول على التمويل، والتكنولوجيا و لا يحصل سوى 10% من صغار المزارعين وأصحاب الأراضي الصغيرة حالياً على التمويل اللازم ومع نمو السكان، من المتوقع أن يحتاج العالم إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 30% بحلول عام 2050.
و أطلقت مجموعة البنك الدولي مبادرة تحويل القطاع الزراعي ه سنة 2025 التي تستهدف إحداث نقلة نوعية في أساليب الزراعية التي يستخدمها أصحاب الحيازات الصغيرة وصغار المزارعين، كما تستهدف خلق الوظائف، وتعزيز الأمن الغذائي العالمي وتسعى المبادرة إلى دعم هؤلاء المزارعين في الانتقال من زراعة الكفاف إلى زيادة الإنتاج وتحقيق فوائض، وذلك من خلال زيادة التمويل، وربط المنتجين بالأسواق، وتوفير الأدوات الرقمية مثل أدوات الذكاء الاصطناعي المحدودة.
وترتكز هذه الجهود على التزام مجموعة البنك الدولي بمضاعفة استثماراتها السنوية في مجال الصناعات الزراعية لتصل إلى 9 مليارات دولار أمريكي بحلول عام 2030 والعمل على تعبئة 5 مليارات دولار أمريكي إضافية وترتكز هذه المبادرة على أسس قوية، حيث تشير أحدث نتائج بطاقة قياس الأداء إلى أن المشاريع الحالية لمجموعة البنك الدولي قد عززت بالفعل الأمن الغذائي لدى 201 مليون شخص، ومن المتوقع أن تمتد الآثار والنتائج لتشمل أكثر من 327 مليون شخص بحلول عام 2030.
وتعد الصحة الجيدة محركاً رئيسياً لتمكين الأشخاص من أسباب القوة، ودعم خلق فرص العمل، وتعزيز النمو الاقتصادي فالحصول على خدمات صحية عالية الجودة يساعد الأفراد على العمل والتعلم والعناية بعائلاتهم، مما يزيد من الإنتاجية ويحفّز الإمكانات البشرية. وبالتالي، يتم دعم المجتمعات المحلية والنشاط الاقتصادي كما يُسهم الاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية في توفير وظائف جديدة ليس فقط في العيادات والمستشفيات، ولكن أيضاً عبر قطاعات متعددة تشمل التصنيع والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية وصناعة المستحضرات الصيدلانية.
وسعياً إلى تعظيم فوائد الرعاية الصحية الأولية، تبنت مجموعة البنك الدولي هدفاً يتمثل في تقديم خدمات صحية جيدة وميسورة التكلفة لعدد يصل إلى 1.5 مليار نسمة بحلول عام 2030 و في هذا السياق تسهم الشراكات القوية بشكل حاسم في تحقيق هذا الهدف، وهو ما كان واضحاً في فعاليات المنتدى رفيع المستوى بشأن التغطية الصحية الشاملة الذي عُقد هذا العام في طوكيو ومن هناك، قامت 15 بلداً بالموافقة على مواثيق الصحة الوطنية لتوسيع نطاق الرعاية الأولية، فيما تعهدت المؤسسات الخيرية بتوفير 410 ملايين دولار أمريكي لدعم هذه المواثيق كما أعلنت مجموعة البنك الدولي عن مواءمة آليات التمويل مع تحالف غافي للقاحات والصندوق العالمي، بما في ذلك ملياري دولار يتم تمويلها بالشراكة مع كل منهما وتعزيزاً لتبادل المعرفة والتعلم فيما بين واضعي السياسات، أطلقت المجموعة مركز المعرفة للتغطية الصحية الشاملة الذي يستهدف 1.5 مليار نسمة، تعاونت مجموعة البنك الدولي وشركاؤها مع البلدان لتقديم رعاية صحية عالية الجودة وميسورة التكلفة لنحو 375 مليون شخصا ويجري العمل حالياً في إطار شراكات مع نحو 45 بلداً لتوسيع نطاق أساليب الرعاية الأولية الناجحة التي أثبتت قدرتها على تحسين النواتج الصحية وخلق فرص عمل.
قطاعا السياحة والصناعة سيوفران مواطن شغل مهمة بحلول2035
ويتيح قطاع السياحة فرصاً كبرى للاقتصادات النامية لخلق وظائف منتجة وشاملة للجميع، وتنمية الشركات المبتكرة، وتمويل المشاريع التي تستهدف حفظ وصون الأصول الطبيعية والثقافية، وزيادة التمكين الاقتصادي، لا سيما النساء اللاتي يشكلن أكثر من نصف العاملين في قطاع السياحة ففي عام 2024 ساهم قطاع السياحة والسفر بنحو 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، كما ساهم في دعم ما يقدر بنحو 357 مليون وظيفة أي أكثر من 10% من إجمالي الوظائف حول العالم وبحلول عام 2035، من المتوقع أن يخلق القطاع نحو 91 مليون وظيفة إضافية وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذا النمو سيتركز في المدن وجدير بالذكر أن مجموعة البنك الدولي تدعم السياحة المحلية المستدامة، كما تدعم نمو منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في مجالات الضيافة والمهرجانات والفعاليات الثقافية والنقل وغيرها.
ويشكل التصنيع والصناعات التحويلية محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي والتحديث و هذا القطاع ينتج السلع التي تعزز ازدهار الاقتصادات والأفراد، بدءًا من السيارات والإلكترونيات وصولاً إلى الكيماويات ومواد البناء والمنسوجات، مما يقلل من الاعتماد على الواردات ويدعم الأسواق المحلية ويحفز تجارة الصادرات ويُعتبر هذا القطاع مصدرا رئيسياً للوظائف على مختلف مستويات المهارات، حيث يساعد النساء بشكل خاص على الانتقال من العمل غير الرسمي إلى وظائف رسمية وآمنة وتعمل مجموعة البنك الدولي بقيادة مؤسسة التمويل الدولية على توسيع نطاق التصنيع والصناعات التحويلية في الاقتصادات الصاعدة، مستندة إلى التمويل والتوجيه المتخصص من الخبراء لمساعدة الشركات في إطلاق عمليات إمداد قوية، والانفتاح على أسواق جديدة، واعتماد الممارسات الأكثر كفاءة. ومن خلال تعزيز سلاسل الإمداد المحلية، تساهم مجموعة البنك في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وفي السنوات الست الماضية، ضاعفت مؤسسة التمويل الدولية تمويلها طويل الأجل لقطاع التصنيع والصناعات التحويلية، ليصل إلى 4.1 مليارات دولار أمريكي في السنة المالية الأخيرة وتركز مشاريعنا على قطاعات رئيسية تشمل الكيماويات والأسمدة ومواد البناء والإلكترونيات والآلات وحتى جوان 2025، دعمت المجموعة مشاريع الصناعية نحو 520 ألف وظيفة، منها 180 ألف وظيفة للنساء وأسهمت هذه المشاريع في تحقيق مشتريات محلية بلغت قيمتها 18.3 مليار دولار أمريكي، وإجراء مدفوعات للحكومات بقيمة 3.3 مليارات دولارواعتبرت مجموعة البنك الدولي أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر الجهود على نطاق واسع، فلا يمكن أن تقوم بذلك أيّ حكومة أو هيئة إنمائية بمفردها بل يجب حشد قوى القطاع الخاص والاستفادة من إمكاناته الكاملة. وتتصدى مجموعة البنك الدولي لهذه المهمة عبر إزالة الحواجز أمام الاستثمار وتهيئة مناخ ملائم يُمكّن رأس المال الخاص من تحقيق أثر إنمائي فعّال.
منصة مركزية وارتفاع رؤوس الأموال الخاصة إلى 67 مليار دولار
وأكدت مجموعة البنك الدولي أن سنة 2025 شهدت زخماً قويا في رؤوس الأموال الخاصة التي تم تدبيرها حيث ارتفعت من 47 مليار دولار إلى 67 مليار دولار في عامين فقط وبلغ إجمالي الارتباطات والاستثمارات، بما في ذلك رؤوس الأموال الخاصة التي تم الحصول عليها 186 مليار دولار، كما قامت المجموعة بتجميع 79 مليار دولار أخرى من مستثمرين من القطاع الخاص من خلال إصدارات السندات وفي الوقت نفسه، تعمل مجموعة البنك الدولي على زيادة الضمانات التي تقدمها إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 حيث قامت بإطلاق منصة مركزية للضمانات لدى الوكالة الدولية لضمان الاستثمار التابعة لمجموعة البنك الدولي و التي ستسهم في تسهيل الإجراءات للبلدان والجهات المتعاملة مع المجموعة وتدعم إصدار الضمانات.
وعلى الرغم من استمرار المخاطر المالية وغيرها ، فقد أظهر عام 2025 أن البلدان أكثر قدرة على الصمود مما كان متوقعاً وبعد ثلاث سنوات من الأداء القوي الذي تجاوز التوقعات، عاد الاقتصاد العالمي ليؤكد هذه القدرة على الصمود لا تُبنى بين عشية وضحاها، بل تنمو عبر الإصلاحات والاستثمارات وإقامة الشراكات الفعالة ويعتمد العمل في المستقبل على تعزيز هذا الأساس حيث تلتزم مجموعة البنك لعام 2026، بتحقيق تنمية قادرة على الصمود ومبنية على الثقة وتراعي مقتضيات وظروف المالية العامة للبلدان ضمن نهج تطلق عليه اسم التنمية الذكية التي تعتبر خلق الوظائف محور تركيزها الرئيسي.
ولقد جعلت مجموعة البنك الدولي عام 2025 عاماً لخلق الوظائف في إطار مهمة رئيسية للقيام بذلك وفي عام 2026، ستبدأ هذه المهمة في تحقيق نتائج واضحة وقابلة للقياس تحدث تغييرات نوعية وجوهرية على أرض الواقع فمن خلال التركيز على خلق الوظائف الآن، فإننا نرسي الأساس لمستقبل أكثر أماناً واستقراراً وازدهاراً حسب تقرير البنك.
هناء السلطاني