languageFrançais

''وسيلة وسوْأة الأحوال الشخصية''.. هكذا احتفل سعيّد بالمرأة

بعد أن قام  رئيس الجمهورية يوم الخميس 13 أوت 2020 بزيارة فلاحات جندوبة وبعد أن ألقى على مسامعهن خطابا يبدو أنه بذل ما في وسعه لتبسيطه، انتقد قيس سعيّد أمامهن بحماسة ''احياء عيد المرأة في المؤتمرات والمطاعم الفخمة''، ليعود مساءً نافضا غبار الحقول عن بدلته ويلقي كلمة -كتبها بعناية- أمام ''نخبة نسائية متأنقة'' في قصر قرطاج.. خطاب تضمن أكثر من رسالة، وبدا أشبه بمحاضرة جامعية كان يجدر أن تُشفع بنقاش.


''طلاق بورقيبة وسوأة الأحوال الشخصية''


لسبب غير واضح، اختار قيس سعيد أن يختم كلمته بحادثة مثيرة للجدل تعلّقت بالحياة الخاصة للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، إذ تحدّث في سياق التقاء ''أحكام النص الدستوري مع أحكام مجلة الأحوال الشخصية في عديد القضايا''، وكيف طُرحت مسألة الأحوال الشخصية في أعلى هرم في السلطة، قائلا بنبرته المُعتادة إن ''المحكمة الإبتدائية بتونس قضت بإيقاع الطلاق بين الرئيس الحبيب بورقيبة رحمه الله وزوجته.. بموجب الضرر منها، وذلك لإدلائها بتصريحات واتخاذها مواقف مخالفة للدستور'' على حد قوله.. ثم أضاف مشددا: ''الضرر هو مخالفة الدستور''.


واستطرد سعيد بنبرة الأستاذ المحاضر الواثق: ''لعلها مرة أخرى.. القصة الخالدة في الأديان الكتابية لآدم وحواء. ولكن في هذا الحكم المذكور حواء هي التي أكلت أو اُتهمت بالأكل من شجرة الدستور، فظهرت سوأة الأحوال الشخصية أو هي قبلها سوأة الدستور السابق، وسوأة هذا الدستور، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته''.


هذه الحادثة التي أوردها الرئيس باقتضاب، هي قضية اختلط فيها الشخصي بالسياسي واختلفت حولها الروايات والخلفيات، لكن الثابت أنه وبتاريخ 11 أوت 1986، صدر حكم الطلاق بين الحبيب بورقيبة ووسيلة بن عمار حين كانت بالولايات المتحدة الأمريكية. وتم تعليل الحكم بـ"الإدلاء بتصريحات وإعلان مواقف دون إذن رئيس الجمهورية ودون علمه".  ويتعلق الأمر بحوار أجرته مع مجلة "جون أفريك" سنة 1982 تحدثت فيه عن خفايا إدارة الحكم في قصر قرطاج ودورها فيه.


وقد صدر حكم الطلاق دون حضورها ودون إعلامها بالجلسة الحكمية، في مخالفة لقانون الأحوال الشخصية. ويبدو حسب بعض المراجع، أن بورقيبة أقرّ بعد ذلك بأنّ طلاقه من زوجته لم يكن قانونيا، إذ ينقل الوالي السابق الطاهر بوسمة في كتابه "ذكريات وال في الزمن البورقيبي":  "أرسلت لي (وسيلة) المناضل المعروف خليفة حواس لتطلب رأيي فيما عرضه عليها الزعيم، إذ طلب منها الرجوع إليه لتؤنس وحدته، وأكّد لها أنّ الطلاق لم يكن قانونيا.. فقلت للمرسل: "سلم عليها وذكّرها بأن الطلاق أصبح نافذا بمجرد التصريح به شرعا، ولو لم تكتمل أركانه القانونية". (المصدر: الطاهر بوسمة، ذكريات وال في الزمن البورقيبي، تونس 2015. ص 363).


ويرجّح أن وراء هذا الطلاق خفايا عائلية وصراعات سياسية وداخل القصر أسالت من الحبر الكثير. لكن قيس سعيد لخّصها في جملة مقتضبة وأرجع الأمر إلى قصة آدم وحواء وكأنه يؤكد فكرة حواء، المرأة الموصومة بالذنب الأزلي الذي لا يُغتفر... بهذه الصورة اختار الرئيس إنهاء خطاب أراده تكريما للمرأة التونسية.

''بورقيبة مرّر مجلة الأحوال الشخصية دون عرضها على المجلس القومي''؟


وكان سعيّد قد عرّج في مستهل خطابه على تاريخ مجلة الأحوال الشخصية، ليستطرد ساردا ''شهادة شفوية'' نسبها للسياسي الراحل مصطفى الفيلالي: ''مجلة الأحوال الشخصية صدرت بأمر عليّ، بالرغم من أن المجلس القومي التأسيسي كان مجتمعا ولم يكن هناك مانع من عرضه عليه.. مصطفى الفيلالي سأل بورقيبة عن سبب ذلك، فأجابه ''لن أعرضها لأنها ستثير نقاشا وقد لا تمر''.
واستنتج قيس سعيد من هذه الشهادة، أن ''بورقيبة آثر هذا الشكل من القواعد القانونية حتى يتم تمرير مشروع المجلة ويتجنب بذلك نقاشات قد تطول واعتراضات لم يكن بالتأكيد سيقبل بها''.


أورد رئيس الجمهورية شهادة الفيلالي دون التعرّض إلى أن المجلة صدرت بختم الباي وإمضائه، إلى أن الأوامر العليا في النظام الملكي التونسي لم يكن يتطلب تمريرها موافقة أي جهة أو مؤسسة، دون الخوض في أن مهمة المجلس القومي التأسيسي كانت تنحصر أساسا في تلك الفترة، في صياغة دستور البلاد التونسية الذي لم يصدر إلا بعد ثلاث سنوات من إصدار مجلة الأحوال الشخصية.

 

''لا دين للدولة'' و"القرآن واضح في مسألة الميراث"


وفي سياق آخر، تطرّق رئيس الجمهورية إلى علاقة الإسلام بالدولة، فأعطى موقفا صريحا بأنه ''لا دين للدولة''، منتقدا التنصيص على أن دين الدولة الإسلام في الدستور، ومتسائلا: ''هل أن للدول دينا؟ هل ستدخل دولٌ إلى الجنة أو جهنم؟''. 


وشدد قائلا ''الدولة ليس لها دين. قال سبحانه وتعالى ''كنتم خير أمة أخرجت للناس'' لا خير دولة، الأمة تختلف عن الدولة والدول ليست لها أديان''.


واستدرك ''ليس هذا مجال الفصل والتفصيل في ظهور هذا الفصل وكيف تم وضعه من طرف عدد من المستشرقين لأول مرة في الدستور العثماني الأول.. الدين هو دين الأمة وعلى الدولة أن تعمل على تحقيق مقاصده -لو كنا متناسقين مع مقاصد الإسلام- ..''.


ومن هنا مرّ رئيس الجمهورية إلى الحديث عن ''الصراع حول الإرث والميراث''، واصفا إياه بأنه ''صراع خاطئ و غير بريء''، ودعا إلى التسوية بين الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمرأة والرجل ''قبل الحديث عن الإرث وفقه المواريث'' على حد تعبيره.

وتابع ''إنّ النص القرآني واضح لا يقبل التأويل'' وأكد أنّ منظومة الإرث في الإسلام لا تقوم على المساواة الشكلية بل هي منظومة متكاملة تقوم على العدل والإنصاف. فبالنسبة إليه: ''المساواة في الفكر الليبرالي مساواة شكلية غير قائمة على العدل..الله يأمر بالعدل لا بالمساواة الشكلية''.

 

هذا ما جاء على لسان سعيّد في خطابه الذي ألقاه أمام نخبة من الإطارات والمثقفات وبحضور القيادات السياسية للبلاد، مثيرا جدلا واسعا على وسائل التواصل الإجتماعي، حول فحواه وأبعاده. فعلاوة على عدم دقة معلومات وأحداث أوردها، حملت كلمة الرئيس أفكارا مبهمة ارتقت إلى حد التناقض خاصة في ما يتعلّق بمجلة الأحوال الشخصية وبعلاقة الدين بالدولة وبالتشريعات المدنية.

أمل الهذيلي