القصرين: عندما تنسف الدولة المعالم التاريخية بتمويل من جمعية قطريّة
مازال ذلك المشهد الذي حطم فيه التنظيم الإرهابي "داعش" آثار ومعالم حضارة بابل ببربرية وهيستيريا جنونية تدل على نقمة "تتار" العصر على الجمال والعمق التاريخي عالق بأذهان كل من شاهده على شبكات التواصل الإجتماعي عندما هدم "الدواعش" معالم حقب تاريخية ظنا منهم أنهم هم من سيتمكنون من قلب عقارب ساعات التاريخ لصالحهم لكن التاريخ لم يحتفظ إلا بهمجيتهم وسترمم معالم العراق ولو بعد حين.
نفس هذا المشهد يتكرر بسيناريوهات مختلفة في عدة مناطق في تونس لكن المنفذ (فرادى أو مجموعات)غير "داعشيي" الفكر أو النشأة غير أن وحشيتهم تجاه المعالم الأثرية الوطنية لا تختلف عن وحشية "ماغول" العصر .
في ولاية القصرين، و في تلك الربوع والمرتفعات التي شهدت آثارها على تأسيس حضارات وانهيار إمبراطوريات تجد كمّا هائلا من المعالم والمواقع الأثرية التي أسسها البيزنطيون والرومان ومر عليها الفتح الإسلامي عن طريق "العبادلة السبع".
الغريب في الأمر أن الدولة لم تستطع جرد كل هذا الميراث الحضاري الهام إلى اليوم، ما جعله لقمة صائغة أسالت لعاب لصوص الليل والمهربين ولوبيات تمكنت من شراء ذمم بعض الأطراف المتداخلة والفاعلة لتستخرج كنوز القدامى من أصحاب هذه الأرض ومن الوافدين عليها لتباع بعدها في كل أصقاع الدنيا.
في القصرين أيضا و تحديدا في منطقة "عين القايد" من معتمدية الزهور ترى مشروعا عموميا يتمثل في بناء مساكن إجتماعية بتمويل من جمعية "قطر الخيرية" يبنى فوق معالم تاريخية بعد هدم ما تبقى من هذا الموقع الأثري من أجل بناء 40 مسكنا.
بين المساكن التي أصبحت جاهزة للسكن ترى حجارة وأواني تعود للعهد الروماني وأعمدة إسلامية و بيزنطية قديمة حطمتها آلات بناء المكلف بالمشروع وألقت بها على قارعة طريق الحي كنموذج للتهديم والتخريب الممنهج الذي طال ثروة لا تقدر بثمن.
في ماي 2015 تدخل المعهد الوطني للتراث مع السلط الجهوية والمركزية لوقف هذه المهزلة عبر إيقاف الأشغال فورا قبل استكمال المشروع فكانت إجابة السلط الجهوية والمركزية بالرفض لتواصل "ماكينة" البرابرة بعدها التهديم ولتخرب ما تبقى من آثار وجب أن يكون مكانها الأساسي متحف أو موقع محمي يحفظها لأجيال قادمة تتمتع بمشاهدتها.
ومن يدري لعل كنوزا استخرجت منها قبل تسليمها، فلطالما شهدت هذه الربوع عمليات نهب ممنهج لكنوز القدامى من ذهب وحولي وألماس كانت قد دفنت تحت الأرض.
ستتسلم العائلات (التي لا ذنب لها في هذا الجرم) منازل شعبية بنيت على أنقاض معالم تاريخية لإمبراطوريات كثيرة، معالم هدمت أياد عابثة ما تبقى منها. .. فما أشبه هذا المشهد. .. بمشهد إتلاف "دواعش" العراق لآثار حضارة بابل...


برهان اليحياوي