languageFrançais

من جبل تيوشّة بالقصرين:''كنت ضمن من أطلقوا النار على الإرهابيين''

في مسيرتك كصحفي ميداني قد تنقل للرأي العام أحداثا كثيرة دارت بين قاتل و مقتول و بين ظالم و مظلوم و بين محتج و سلطة قائمة و قد تتواتر الأحداث و تُنسى أحيانا بمرور الوقت، لكن أن تسمع شهادة عسكري شارك في حماية الوطن  في عمل قتالي عبر إستهداف عنصر إرهابي ساعات بعد الحادثة، فقد يكون مادة إعلامية بمثابة هدية من السّماء لصحفي دفعه العمل والأقدار للحظور في المكان والزمان  الملائمين.


لم يكن الوصول الى "دوار البعازة" الموجودة في عمق جبل "تيوشة" سهلا، رغم تواصل الحياة وسط المنطقة الجبلية الفاصلة بين معمديتي سبيبة و فوسانة بنسقها البطيء على الوافدين عليها و العادي بالنسبة لأهالي المنطقة التي تحتوي مستوصفا و مدرسة  على بعد حوالي الخمسة كيلومترات عن تجمعهم السكني و هو كل ما يمثّل الدولة فيها.
طريق معبدة كلها منعرجات لكونها تقطع الجبل ثم مسالك ريفية لعدة كيلومترات تشقّ شعابا ووديان توصل الى مكان تمركز وحدات عسكرية مختصة رابضة منذ  48 ساعة في نفس المكان وسط تحليق لطائرة عمودية و تمشيط لتعقّب ما تبقى من جيوب كتيبة ارهابية وصلت جبل تيوشة هاربة من محاصرتها من قبل الوحدات العسكرية بجبال بيرينو و الشعانبي و سمامة منذ مدة غير بعيدة روّعت فيها الأهالي عبر سلبهم للمؤونة أو بترهيبهم قصد تجنيدهم "كطابور خامس" للإرهابيين يمكّنهم من معلومات على تنقل الوحدات الامنية و العسكرية أو بالتسوق لقضاء شؤون الإرهابين عوضا عنهم طمعا أو خوفا.
تتواصل العمليات العسكرية في ساعاتها الأخيرة و مظاهر الفرح تبدو واضحة على ملامح قوات الجيش الوطني الذي جمعنا معهم حديث وديّ بعيدا عن اضواء الكاميرا، فأوّل ما يتعلمه العسكري في تكوينه هو نكران الذات و العمل في صمت بعيدا عن الصّخب و الغوغاء الذين أصبحا ميزة جلّ القطاعات في تونس ما بعد الثورة.
عشرات العسكريين لا يتجاوز معدّل أعمارهم ال25 سنة ببنية جسدية قوية  كانوا متواجدين في المنطقة وسط حزام محكم التخطيط.
حدّثونا عن الآشتباكات و عن الآنتصارات التي تحققت في الفترة الفارطة و عن التحوّل في الاستراتيجيات  التي تغيرت منذ سنوات  فبعد أن كان الإرهابيون ينفذون الهجمات المتتالية في أعالي الجبال و وسط المدن اصبحوا يتكبدون الهزينة تلو الأخرى  في أوكارهم في الجبال الغربية.
وسط كل هذا ، كان عدد من العسكريين يخلدون  إلى الراحة، "إستراحة محارب" بعد ساعات طويلة من العمل في ساحة الوغاء.
"نعم ..لقد أطلقت عليه النار مع رفاق السلاح  دون رحمة عندما كان في المرمى..بندقيتي لا تُضيع الهدف أبدا "..
ليضيف:"لقد شتمنا الإرهابي و هو يلفظ أنفاسه الاخيرة و نعتنا ب"أعداء الله" ،لكن الرصاصات التي أطلقناها قبل ذلك عليه كانت كفيلة بالقضاء عليه". ليتوعد  العسكري بعد ذلك ما تبقى من فلول الارهاب بالجبال بنفس مصير الإرهابي الذي قُتل بجبل  تيوشة.


تركنا الوحدات العسكرية تواصل عملها في هذه المنطقة النائية و عدنا أدراجنا وسط الشّعاب و المسالك الفلاحية وصولا الى الطريق المعبدة حاملين لشهادة عسكري مشبعة بالعقيدة الوطنية...شهادة لا تشبه غيرها...

برهان اليحياوي