languageFrançais

''عيشة'' جامعة النفايات ... أو قصّة معاناة لا تنتهي

بوجه شديد الشّحوب كأنّه الموت، وبجسد أصاب منه الوهن والمرض والتجارب ما أصاب، تجرّ عيشة ( 46  سنة) عربة حديديّة متآكلة ببطء وعناية، فهي كلّ ما تملك في هذا العالم. تمّر من منزلها (إن صحّت التّسمية)، فهو لا يتجاوز أن يكون مجرّد بناية تقيها وعائلتها من المطر، أو الحرّ الشديد، أو من المارّين  بسفح جبل السلوم، هناك حيث تنطلق معاناة رحلتها اليوميّة نحو مصبّات الفضلات، القانونيّة منها والعشوائية، لجمع ما توفّر من "بلاستيك" وقصدير وغيرهما، قصد بيعه لمجمعات النفايات، بمقابل زهيد جدّاً.


تقول عيشة باكية:"إذا جمعت البلاستيك، وبعته، سأجد كلفة عشاء عائلتي. وإن تخلّفت، لن نجد ما نأكله... أجرّ العربة صباحاً وليلاً، من أجل 3 دنانير يوميّا، في أفضل الأحوال، زوجي عاجز عن العمل بمفعول إعاقة تربّصت به، وابنتي معطّلة، أمّا ابني فلا يزال فتيّاً... ظهري قد يعجز يوماً عن حملي وعن دفع العربة التي قُدّمت لي على وجه المكرمة، وقتها سيلتهمنا جوع قاسٍ، لا يأبه بويلات البسطاء من أمثالنا..."


تواصل عملها لساعات بين المزابل والأودية ومصبات المدينة، تمسح بكمّ قميصها الخفيف ما يتصبب من جبينها عرقاً وألماً، تلتقط أنفاس طويلة وتعبّر عن قساوة رحلتها اليوميّة ومسار عيشها الشقيّ بين شبه مأوى تسكنه وثنايا المزابل ومراكز التجميع، في دولة لم توفر لها إلاّ منحة تقدّر ب 200 دينار، لا تكفي حتى لاشتراء الرغيف الحافي لأيام.


تشرح ابنتها  أميمة، 19 سنة، ضنك عيشتهم على مقربة من جبل السلوم، وهي التي لم تقدر على توفير كلفة وصفة طبية قُدّمت لها بسبب سوء التغذية التي تعاني منها. 


أميمة التي توقفت مسيرتها الدراسية باكراً جدّاً، منذ 7 أعوام، لا تعرف شيئاً عن مستقبلها، لكنها تدرك جيداً أنها لا تعيش إلاّ بما توفره لها والدتها من بلاستيك، في رحلة شقاء يومية تنتهي ببيع الفواضل القابلة للرسكلة للمجمعات المنتصبة في المنطقة الصناعية بالقصرين، حوالي 4 كم عن منزل عائلة أميمة.


حاولت كاميرا موزاييك معرفة طريقة تعامل هذه المؤسسات مع جامعي البلاستيك من أمثال عيشة وغيرها، ومعرفة عددهم، ومجال ربح هذه الشركات، فرفض كلّ من كان هناك التصريح، وكأنهم يخفون شيئاً ما، لكن الثابت أن البلاستيك المكدّس في تلك المنطقة هو وريد عيش مئات العائلات وشريان مهم لهذه الشركات الّتي تخفي الكثير عن الرأي العام.


بعد مرحلة التجميع، حيث تَشتري هذه الشركات ما توفر من بلاستيك من أمثال عيشة، تبيعه إلى مصانع الرسكلة، التي نفت أيّة علاقة تجمعهم بجامعي البلاستيك، تلك الشريحة الأكثر هشاشة من البلاستيك الذي تجمعه.


يقول مولدي دربالي، مسؤول بإدارة الشؤون الاجتماعية، إنه لا وجود لدراسات ميدانية تتحدث عن هذه الفئة الهشّة، ولذلك لا يمكن أن نحدد بدقة عدد جامعي البلاستيك في القصرين، مشيراً إلى أن العاملين في هذا الميدان هم من النساء والرجال الذين يتجاوز عمرهم الـ 40 سنة، ومن الأطفال المقبلين على هذه المهنة صيفاً، تزامناً مع كثرة استعمال قوارير البلاستيك.


ويشير إلى أن أغلبية هذه الشريحة هم من المنتفعين بمنحة العائلات المعوزة (200 دينار، وعلاج عمومي مجاني) أو من محدودي الدخل، أي من ينال أجرة أقل من الأجر الأدنى المضمون(400 دينار) وهم من المنتفعين  بالعلاج بالتعريفة المخفضة.


وكشف الدربالي عن  عدد العائلات المعوزة  الذي يقدر ب 24 ألف عائلة، وعدد العائلات محدودة الدخل يقدر 43 ألف عائلة في ولاية القصرين التي تقدر فيها نسبة الفقر ب 33%؛ وهو ضعف النسبة الوطنية للفقر المقدرة ب 16%.


وأشار إلى أن هذه الشريحة الهشة، التي تظم عيشة، معنية ببرنامج وزارة الشؤون الاجتماعية "الأمان الاجتماعي"، الذي يقدم لهم مساعدات، مع إمكانية تمويل مشاريع خاصة لإدماجهم، بكلفة تناهز ال40 ألف دينار، للمشروع الواحد.


من جانبه ركّز والي الجهة، عادل المبروك، على دور برنامج الأمان الاجتماعي في العناية بهذه الفئة الهشّة، ومساعدة هذه الشريحة على تجاوز خصاصتهم عبر تمويل مشاريع تعينهم.


وأعلن، في تصريحه لموزاييك، عن مساعدة عينيّة لعائلة عيشة، وتحسين مسكنها، وترسيم أميمة بالتكوين المهني لتجاوز بطالتها القسريّة، بسبب حاجتها لظروف إنسانيّة تحقق الكرامة الإنسانيّة وأبسط حقوقها الطبيعية في الصحّة والحياة...
 

برهان اليحياوي