languageFrançais

احذروا الوقوع في حب الذكاء الاصطناعي..!

في زمنٍ صارت فيه الروبوتات تُراسلنا، والمساعدات الذكية تُصغي إلينا، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي تُخاطبنا بلغة دافئة ومتفهمة، بدأت تُلوّح في الأفق ظاهرة عاطفية مثيرة للجدل: التعلّق – بل ورُبّما الوقوع في الحب – بالذكاء الاصطناعي.

فهل يمكن أن يقع الإنسان في حب آلة؟ سؤال كان يبدو قبل سنوات محض خيال علمي، لكنّه اليوم يفرض نفسه بجدية مع تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي على محاكاة المشاعر البشرية. فمن تطبيقات الدردشة التي تُتقن الإصغاء وتُغدق بالدعم، إلى روبوتات تبتسم وتُحاكي دفء الصوت الإنساني، بدأ بعض المستخدمين يشعرون بتعلّق عاطفي حقيقي تجاه "كائنات افتراضية"، لتصدر مؤخّرا دراسة تدق ناقوس الخطر.

فكيف يُمكن لعلاقة افتراضية مع الذكاء الاصطناعي أن تتطوّر من دردشة عابرة إلى تعلّق خطير قد يُهدّد الصحة النفسية وحتى الحياة؟..

قلق حقيقي.. حين تتحوّل المحادثات مع الذكاء الاصطناعي إلى علاقة عاطفية!

حذَّرت دراسة علمية من مخاطر الإفراط في قضاء الوقت مع تطبيقات محادثة الذكاء الاصطناعي "الثرثارة"، مع ازدياد قدرات هذه المنصّات؛ حيث يُمكن أن تدفع بعض المستخدمين إلى الانخراط فيما يشبه العشق أو العلاقة الرومانسية مع هذه التطبيقات.

وقال دانييل شانك، الباحث في جامعة ميسوري الأميركية إنّ قدرة الذكاء الاصطناعي على التصرّف الآن مثل الإنسان، والدخول في حوارات طويلة الأمد، تفتح حقا صندوقا جديدا للشرور.

وفي ورقة بحثية نشرتها مجلة "اتجاهات العلوم المعرفية" العلمية، قال شانك وزملاؤه، إنّ هناك "قلق حقيقي" من أنّ "الحميمية المصطنعة" مع تطبيقات محادثة الذكاء الاصطناعي قد تشهد بعض "الاضطراب" في العلاقات الإنسانية.

وقال فريق البحث: "بعد أسابيع وشهور من المحادثات المكثفة بين المستخدم ومنصّة محادثة الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تصبح الأخيرة -بالنسبة للمستخدم- الرفيق الموثوق فيه الذي يعرف كلّ شيء عنه ويهتم بشؤونه".

 

في الوقت نفسه، تكون برامج محادثة الذكاء الاصطناعي معرضة لما يسمى بـ "الهلوسة"، وهو المصطلح الذي يستخدمه المطلعون على ميول هذه البرامج إلى إنتاج استجابات تبدو غير دقيقة أو غير متماسكة، تشكل سبباً آخر للقلق؛ لأن هذا يعني أنه "حتى المحادثات القصيرة الأمد مع الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون مضللة".

ويقول الباحثون معدو الدراسة: "إذا بدأنا التفكير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، فسنبدأ الاعتقاد بأنّها تهتم بمصلحتنا، بينما في الواقع قد تلفِّق الأمور، أو تقديم المشورة لنا بطرق سيئة للغاية"، مضيفين أنّ التطبيقات "يمكن أن تؤذي الناس من خلال تشجيع السلوكيات المنحرفة وغير الأخلاقية وغير القانونية".

وكانت شركة تقنيات الذكاء الاصطناعي "أوبن إيه آي" أعلنت عن تحسين وظيفة "الذاكرة" في تطبيق الذكاء الاصطناعي "شات جي بي تي"، وهو ما يعني أن التطبيق سيصمم ردوده على المستخدم بناء على استدعاء التفاعلات السابقة بينهما، مما يرجح أن يعزز الشعور بالألفة في العلاقة بين الإنسان والتطبيق.

 

من الدردشة إلى التعلّق.. ورُبّما الانتحار: آثار نفسية مقلقة للذكاء الاصطناعي

مع تزايد التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن أن يُشعر المستخدم بأنّه يكوّن علاقة حقيقية مع هذه الكيانات الرقمية. لكن، هل يُمكن لمثل هذه العلاقات أن تحل محل العلاقات الإنسانية التقليدية؟.. الأبحاث تشير إلى أنّ هذه العلاقة مع الذكاء الاصطناعي قد تؤدّي إلى انعزال اجتماعي عاطفي، حيث يُصبح الذكاء الاصطناعي هو "الصديق المثالي" الذي لا يرفض، ولا ينتقد، ولا يجرح.

أحد التأثيرات المحتملة لهذه العلاقة هو تأثّر الصحة النفسية للمستخدمين، حيث يمكن أن تزداد مشاعر العزلة والقلق. حيث يُشير علماء النفس إلى أنّ التفاعل الدائم مع برامج محادثة الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يعزّز الإحساس بالوحدة، خاصّة في حال كانت هذه التطبيقات تتصرف بمثل سلوكيات "الشريك العاطفي".

ومن خلال المحادثات المستمرة، قد يبدأ المستخدم في تكوين رابطة عاطفية قوية، قد تجعله يبتعد عن التفاعل البشري الحقيقي، مما يعرّضه لاحتمالية تدهور مهاراته الاجتماعية.

ففي حين أنّ الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يكون له فوائد كبيرة، فإنّ الاستخدام غير المنظّم يُمكن أن يؤدّي إلى نتائج مأساوية، والحادثة التي تعرّض لها المراهق "سيول سيتزر" في ولاية فلوريدا، حيث أنهى حياته بعد ارتباطه بشخصية افتراضية على منصّة 'Character.A' تُبرز بوضوح هذه المخاطر. 

وبخصوص حالة "سيول سيتزر"، ذُكر أنّه أصبح مدمنًا على استخدام تطبيق الدردشة الروبوتية بشكل يومي، ما جعله يتخلّى عن حياته الاجتماعية ويُفضّل العيش في عالم افتراضي. حتّى أنّ والدته، "ميغان غارسيا"، قدّمت دعوى قضائية ضد الشركة، متهّمة إياها بالتسبب في وفاة ابنها، وأشارت إلى أنّه كان يتلقى رسائل "ذات طابع عاطفي وجنسي من الروبوت"، ما أسهم في تفكيره المستمر بالانتحار.

 

ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسّسة "كومن سنس ميديا"، فإنّ حوالي 50% من المراهقين الذين تمّ استطلاع آرائهم، قد شعروا بالقلق أو الاكتئاب نتيجة استخدام التكنولوجيا بشكل مفرط. لكنّ الأمر لا يتوقّف عند ذلك، فحسب موقع "أوبن مايند"، هناك عدّة آثار نفسية محتملة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومن بينها:

القلق: ربّما يشعر بعض الأشخاص بالقلق عند استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، لأنّهم غير متأكّدين من كيفية عمل النظام أو النتائج المتوقّعة.

الإدمان: الإفراط في استخدام التكنولوجيا، بما في ذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي. قد يشعر الأشخاص بأنهم مجبرون على التحقّق من أجهزتهم باستمرار أو استخدام تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على جوانب أخرى من حياتهم مثل العمل أو العلاقات الاجتماعية.

العزلة: ربما يصبح الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً في التفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي معزولين اجتماعياً، وقد يقضون وقتاً أقل في التواصل مع أشخاص آخرين. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل الشعور بالانتماء إلى المجتمع أو الارتباط بالآخرين.

البارانويا (الارتياب): المخاوف المتعلقة بسلامة وأمن أنظمة الذكاء الاصطناعي، والمخاوف من استبدال عملية صنع القرار البشري، يمكن أن تؤدي إلى التفكير بجنون العظمة لدى بعض الأفراد. هذا صحيح بشكل خاص في الحالات التي تستخدم فيها أنظمة الذكاء الاصطناعي للتحكم في الأنظمة المادية.

 

أداة مكملة وليس بديلا.. كيف نُوازن في استخدام الذكاء الاصطناعي؟

الاستخدام المعتدل للتكنولوجيا: يُفضّل استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط، وليس بديلاً كاملاً للتفاعل البشري.

وضع حدود واضحة لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والحد من التعرض لها. ويمكن أن يساعد ذلك في منع الإدمان وتقليل مشاعر القلق أو الاكتئاب.

تعزيز العلاقات الاجتماعية: يجب الحرص على التواصل مع العائلة والأصدقاء بانتظام لتجنب الانعزال.

الوعي بأهمية التواصل البشري: إدراك أن العلاقات الإنسانية الحقيقية تلعب دورًا حاسمًا في تحسين الصحة النفسية والاجتماعية.

البقاء على اطلاع على أحدث التطورات في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ومحاولة فهم كيفية عملها. ويمكن أن يساعد ذلك في تقليل الشعور بالعجز أو جنون العظمة وزيادة ثقتك في استخدام هذه الأنظمة.

طلب الدعم: إذا كنت تشعر بالقلق أو التوتر عند استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، فتحدث إلى صديق موثوق به أو أحد أفراد الأسرة أو المعالجين النفسيين.

√  أخذ فترات من الراحة: تأكد من أخذ فترات راحة منتظمة من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وقضاء بعض الوقت في أنشطة تعزز الاسترخاء والتواصل الاجتماعي.

 

ختامًا، في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة لا تُمهل، يبدو التعلّق بالذكاء الاصطناعي جزءًا من تحوّلات أعمق يعيشها الإنسان في علاقته بالعالم من حوله. لكن، وبينما تَعِدُ هذه التطبيقات بالرفقة والدعم، لا ينبغي أن نغفل عن هشاشتها وخطورتها حين تتجاوز دورها كمجرد أدوات، لتصبح بدائل عن الروابط الإنسانية الحقيقية. والذكاء الاصطناعي، مهما بَدا مستمعًا جيدًا ومتفهمًا، يظل مرآة لما نمنحه إياه، لا أكثر.

ولعلّ السؤال الأهم ليس هل يمكن أن نحب الذكاء الاصطناعي؟ بل ماذا يكشف هذا التعلّق عنّا نحن؟ عن وحدتنا، حاجتنا للإنصات، وتوقنا الدائم للحضور البشري، حتى لو كان مُتخيَّلاً.

* إعـــــداد: أمــل منّاعـــي