تقرير: الشباب القوة الدافعة وراء استخدام الإنترنت في تونس
تُهيمن فئة الشباب والبالغين بشكل واضح على حركة تصفح الإنترنت في تونس، حيث أنّ الفئة العمرية ما بين 25 و34 سنة تحتل الصدارة بنسبة 28,9% من مجموع مستخدمي الإنترنت، ممّا يؤكّد أنّ الشباب هم القوة الدافعة الأكبر وراء استخدام الشبكة العنكبوتية في البلاد.
تليها مباشرةً الفئة العمرية 35-44 سنة بنسبة 21,6%، مما يعكس حضوراً قوياً للبالغين الناشطين مهنياً، وفق ما كشفه تقرير صادر عن مؤسّسة Medianet تحت عنوان " Medianet Insight Day 2 édition-2025"، تحصّلت موزاييك على نسخة منه.
تحديات وفرصاً جديدة
وتأتي في المرتبة الثالثة، الفئة العمرية 45-54 سنة بنسبة 16,7%، تليها فئة الشباب الأصغر سناً بين 18-24 سنة بنسبة 15,2%. أمّا كبار السن (55 سنة فما فوق)، فقد مثلوا نسباً أقل، حيث سجلت الفئة 55-64 سنة نسبة 10,9%، في حين لم تتجاوز نسبة من هم فوق 65 سنة 6,6%.
وتعكس هذه الأرقام واقعاً رقمياً، يؤكّد أنّ الفئات الشابة والنشيطة مهنياً هي الأكثر اتصالاً بالعالم الرقمي في تونس، مما يطرح تحديات وفرصاً جديدة أمام القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصّة تلك المرتبطة بالتسويق الرقمي، والتعليم الإلكتروني، والخدمات الإلكترونية.
وشهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في طرق الولوج إلى شبكة الإنترنت، مع ميلٍ واضح نحو الاستخدام المكثّف للأجهزة المحمولة على حساب أجهزة الحاسوب المكتبي.
وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أنّ نسبة استخدام الهواتف المحمولة للوصول إلى الإنترنت بلغت 77% في عام 2024، مقارنة بـ 23% فقط عبر الحواسيب المكتبية.
وتُبرز هذه الأرقام تحوّلاً تدريجيًا بدأ منذ عام 2012، حين كانت الحواسيب المكتبية تهيمن بنسبة 96% على الولوج إلى الإنترنت، مقابل 4% فقط للهواتف المحمولة.
غير أنّ هذا المشهد بدأ بالتغير مع مرور السنوات، لا سيما مع إطلاق خدمة الجيل الرابع (4G) في تونس خلال عام 2016، والذي مثّل نقطة تحول فارقة.
الفجوة التكنولوجية
في عام 2017، وللمرة الأولى، تجاوزت نسبة الوصول إلى الإنترنت عبر الهواتف المحمولة نظيرتها عبر الحواسيب، حيث بلغت 51% للهواتف مقابل 49% للحواسيب.
ومنذ ذلك الحين، تواصلت الفجوة في الاتساع لصالح الأجهزة المحمولة، مدفوعة بتطور التكنولوجيا وزيادة انتشار الهواتف الذكية، وانخفاض أسعار خدمات الإنترنت.
هذا التغير في أنماط السلوك الرقمي لم يقتصر فقط على الأفراد، بل انعكس أيضًا على استراتيجيات الشركات والمؤسسات، التي باتت تركّز على تطوير منصات وخدمات تتوافق مع متطلبات المستخدمين عبر الهواتف المحمولة.
وتُبرز هذه التحولات حاجة متزايدة إلى مواكبة التطور التكنولوجي، سواء على مستوى البنية التحتية أو المحتوى الرقمي، مما يفرض على جميع الفاعلين في المجال التكنولوجي والإعلامي إعادة التفكير في كيفية تقديم خدماتهم، بما يتناسب مع متطلبات "العصر المحمول".
كما تشير بيانات حديثة وفق المصدر ذاته (تقرير صادر عن مؤسسة Medianet) إلى تغيرات ملحوظة في سلوك المستخدمين على الإنترنت خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2024، حيث تم قياس عدد الصفحات التي يتصفحها الزائر في كل جلسة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية.
وشهد قطاع التجزئة نموًا لافتًا، حيث انتقل عدد الصفحات التي يتصفحها المستخدم في الجلسة الواحدة من 5.5 صفحة عام 2012 إلى ذروة بلغت 7.25 صفحة متوقعة في 2024.
ويعكس هذا النمو الكبير تحسنًا في تجربة المستخدم وازدياد تنوع المحتوى المعروض، ما يعزز من مدة التفاعل مع الموقع.
تراجع في قطاعات الخدمات والصناعة
وسجّلت قطاعات مثل الخدمات والصناعة انخفاضًا ملحوظًا في عدد الصفحات المتصفحة خلال الجلسة الواحدة. فتراجعت خدمات المواقع من 4.28 صفحة في 2012 إلى 2 صفحة في 2024، بينما انخفض القطاع الصناعي من 4.62 إلى 2.31 صفحة خلال نفس الفترة، مما يشير إلى تحديات تواجه هذه القطاعات في جذب انتباه المستخدمين والحفاظ عليهم.
أمّا قطاع الإعلام، فقد حافظ على استقرار نسبي، مع متوسط تصفح يتراوح بين 3.1 و3.4 صفحة لكل جلسة. ويُظهر هذا الاستقرار أن المحتوى الإعلامي لا يزال يحتفظ بجاذبيته رغم المنافسة الشديدة من منصات التواصل الاجتماعي والوسائط الجديدة.
وسجل قطاع البنوك والتأمين تراجعًا طفيفًا، حيث انخفض عدد الصفحات المتصفحة من 3.10 صفحة في 2012 إلى حوالي 2.00 صفحة في 2024.
وهو ما قد يعكس بساطة الخدمات الإلكترونية المقدمة أو تغير نمط استخدام العملاء الذين باتوا يبحثون عن السرعة والفعالية أكثر من تصفح متعدد.
قطاع التجارة الإلكترونية
ووفقًا للبيانات، سجّل قطاع التجارة الإلكترونية أعلى عدد من الصفحات المشاهدة لكل جلسة بمعدل 7,25 صفحة، متجاوزًا كافة القطاعات الأخرى بفارق كبير، كما حقق أعلى معدل تفاعل بلغ **68,4%، مع مدة جلسة متوسطة قاربت 3 دقائق و10 ثوانٍ.
في المقابل، أظهر قطاع الإعلام أداءً قويًا من حيث التفاعل بنسبة 62,2%، مع متوسط تصفح بلغ 2,97 صفحة في كل جلسة، وزمن تصفح وسطي قدره 1 دقيقة و56 ثانية.
أما قطاع السياحة فحقق هو الآخر نتائج إيجابية، حيث بلغ معدل التفاعل 59,3% مع متوسط مدة تصفح تجاوز دقيقتين ونصف.
وعلى صعيد القطاعات التقليدية، سجل قطاع الصناعة معدل تفاعل 55,6%، في حين كان أداء قطاعي البنوك والتأمين متواضعًا نسبيًا، حيث لم تتجاوز معدلات التفاعل فيهما 47,3% و53,8% على التوالي، مع أعداد صفحات أقل تصفحًا لكل جلسة.
أمّا قطاع الخدمات فقد تميز بأطول مدة جلسة متوسطة بلغت 3 دقائق و16 ثانية، مما يعكس اهتمام المستخدمين بالمحتوى الخدمي رغم أن معدل التفاعل لم يتجاوز 54,4%.
وتؤكّد هذه النتائج على أنّ جودة المحتوى الرقمي ومدى ملاءمته لاحتياجات المستخدمين، إضافة إلى تجربة التصفح، تعتبر عوامل حاسمة في تعزيز نسب التفاعل ومدة الجلسة عبر مختلف القطاعات. كما يشير الأداء اللافت للتجارة الإلكترونية إلى التحوّل المتسارع نحو الاستهلاك الرقمي وثقة المستخدمين المتزايدة بهذا القطاع.
* صلاح الدين كريمي