languageFrançais

بين القبول والحذر..استطلاع يكشف مواقف التونسيين من الذكاء الاصطناعي

أظهر استطلاع وطني جديد أن التونسيين يعيشون حالة من التردد بين الانبهار بقدرات الذكاء الاصطناعي وخوفهم من انعكاساته المحتملة على حياتهم اليومية ومستقبلهم المهني والاجتماعي.

وقد أجرت مؤسسة EMRHOD Consulting هذه الدراسة بطلب من الكرسي الجامعي لليونسكو حول الماء والنفايات والطاقة، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت والمعهد الفرنسي بتونس، بمناسبة الملتقى الدولي «Science & Villes» المنعقد في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس (ENIT) من 7 إلى 9 نوفمبر 2025.

إلمام نسبي ومحدود بمفهوم الذكاء الاصطناعي

شمل الاستطلاع عيّنة مكونة من 1200 شخص يمثلون الفئات الاجتماعية والمناطقية المختلفة في تونس، وأجري خلال شهر أكتوبر 2025 بهامش خطأ لا يتجاوز 3%.

وقد سعت الدراسة إلى استكشاف مستوى معرفة التونسيين بالذكاء الاصطناعي، ونظرتهم إلى استخداماته في مجالات الحياة اليومية، ومدى ثقتهم في هذه التكنولوجيا الناشئة، إضافة إلى تقييمهم للمخاطر التي قد تنجر عنها.

أظهرت النتائج أن أغلبية المستجوبين لديهم إلمام نسبي ومحدود بمفهوم الذكاء الاصطناعي؛ إذ صرّح أكثر من 55% بأنهم يعرفون «قليلاً» عن هذا المجال، في حين قال نحو 18% إنهم لا يعرفون عنه شيئاً. 

ورغم ذلك، فإن ما يزيد عن 60% من المشاركين تمكنوا من تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه «تكنولوجيا تحاكي الذكاء البشري لحل المشكلات»، وهو ما يعكس وعياً عاماً متزايداً بهذه الثورة التقنية حتى وإن كان بعيداً عن الإلمام الأكاديمي أو المهني الدقيق.


مخاوف مرتبطة بالتضليل

أما من حيث التمثلات، فقد انقسمت آراء التونسيين بوضوح بين التفاؤل والحذر، فـنحو 28% يرون في الذكاء الاصطناعي حلاً لتسريع الأداء وتحسين الكفاءة، بينما يعتبره 22% تهديداً مباشراً للذكاء البشري. 

كما عبّر آخرون عن مخاوف مرتبطة بالتضليل الإعلامي، أو بالمخاطر السيبرنية، أو بتأثيراته البيئية والاجتماعية. ويكشف هذا التباين في المواقف عن ازدواجية الشعور بين الانبهار بالقدرة التقنية والخوف من فقدان السيطرة الإنسانية.

تبيّن الدراسة  أيضاً أن التعرض لتقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح واسع الانتشار في تونس؛ إذ أكد 76% من المشاركين أنهم واجهوا خلال العام المنقضي محتوى أو إعلاناً تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، بينما اعتبر ثلثا المستجوبين تقريباً أنهم قادرون على تمييز هذا النوع من المحتوى عند رؤيته.

ويرى أغلبهم أن منصات التواصل الاجتماعي هي أكثر المجالات استخداماً لهذه التقنيات، تليها المؤسسات التعليمية والجامعات، ثم خدمات البث المرئي والموسيقي.

الجيل الشاب هو الأكثر انخراطاً

ورغم هذا الحضور المتزايد للذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، لا تزال الثقة في الإنسان أعلى بكثير. 

فقد أبدى 78% من المستجوبين ثقتهم في الكفاءات البشرية في مجال التشخيص الطبي، و75% في التعليم، مقابل نسبة أقل من 45% فقط يثقون بالذكاء الاصطناعي في المجالات الأمنية أو إدارة المخاطر. ومع ذلك، فإن 68% عبّروا عن درجة متوسطة إلى عالية من الثقة في المعلومات التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي بصفة عامة، ما يعكس قبولاً حذراً لهذه التقنيات الجديدة.

وأظهرت الدراسة أن الجيل الشاب هو الأكثر انخراطاً في استخدام الذكاء الاصطناعي؛ إذ يستخدم 29% من الفئة العمرية بين 18 و25 سنة هذه الأدوات يومياً، خاصة في دراستهم أو مشاريعهم البحثية.

كما تبين أن النساء أكثر استعمالاً لهذه التطبيقات من الرجال (18% مقابل 14%)، وأن غالبية المستخدمين يعتمدون عليها في الإطار المهني أو الأكاديمي أكثر من الاستخدام الشخصي.

القلق من فقدان الوظائف

على المستوى العاطفي، تترواح مشاعر التونسيين بين الفضول والخوف. فقد عبّر نحو 43% عن شعور بالإعجاب أو الانبهار بقدرات الذكاء الاصطناعي، مقابل 32% يشعرون بالقلق أو الخشية من تداعياته، فيما بقيت نسبة مهمة (42%) تتعامل معه بقدر من اللامبالاة.

ورغم هذه التحفظات، فإن الغالبية تتطلع إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والإدارية، وهي المجالات التي اعتبرها المشاركون أكثر جدوى وأولوية وطنية.

لكن هذه النظرة الإيجابية لا تخلو من قلق متزايد من المخاطر المرافقة للذكاء الاصطناعي. 

فقد اعتبر أكثر من 62% من المشاركين أن أخطر ما في هذه التقنيات هو نشر الأخبار الكاذبة وفقدان التمييز بين الحقيقة والمحتوى المولّد آلياً، بينما أبدى 56% تخوفهم من الاستعمالات الخبيثة، و45% من انتهاك الخصوصية وجمع البيانات الشخصية، فضلاً عن القلق من فقدان الوظائف وتراجع الإبداع الإنساني نتيجة الاعتماد المفرط على الآلة.


مفترق طرق في التعامل مع الذكاء الاصطناعي

تدل هذه النتائج مجتمعة على أن المجتمع التونسي يقف على مفترق طرق في تعامله مع الذكاء الاصطناعي: فهو منفتح على الإمكانيات التي يتيحها، لكنه يطالب في المقابل بضمانات أخلاقية وتشريعية تحمي الإنسان من مخاطره. إن وعي التونسيين بهذا التحول العالمي في تكنولوجيا المعرفة يعكس إدراكاً مبكراً بأن الثورة الرقمية لا تتعلق فقط بالتقدم التقني، بل تمسّ عمق القيم الإنسانية والاجتماعية.

ويخلص تقرير EMRHOD إلى أن بناء الثقة في الذكاء الاصطناعي في تونس يتطلب تعزيز التعليم الرقمي، ونشر الثقافة التكنولوجية، وضمان الشفافية في استخدام البيانات. فالمستقبل، كما تؤكد الدراسة، لن يكون صراعاً بين الإنسان والآلة، بل شراكة ذكية تُبنى على الفهم، والثقة، والمساءلة.


صلاح الدين كريمي