languageFrançais

 النهضة مثالا: الجلاصي يحفر في ''إدارة التغيير في سياق ديمقراطي''

تزامنا مع الإحتفاء بالذكرى العاشرة لثورة الحرية والكرامة،وعن دار "سوتيميديا" أصدر السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة عبدالحميد الجلاصي كتابا جديدا بعنوان عبدالحميد الجلاصي "من الجماعة إلى الحزب: إدارة التغيير في سياق إنتقالي".

طرحنا أسئلة على الجلاصي الكاتب حول خلفيات ومبررات تزامن النشر مع ذكرى الثورة، وعن دلالات العنوان ومضامين الكتاب، هل أنّه يتحدّث عن حركة النهضة تحديدا أم عن لحظتنا التاريخية في وجهها السياسي وما النهضة إلاّ إحدى تعبيراتها جماعةً كانت أو حزبا. وانتقلنا معه إلى مقاصده ممّا أسماه بإدارة التغيير في سياق ديمقراطي، فكانت هذه الإجابة بماهي تقديم للكتاب…

نصّ تقييمي على إيقاع الإحتفال بالثورة أشار الجلاصي في البداية إلى إحتفال الثوريين و الديموقراطيين و الوطنيين هذه الأيّام بالذكرى العاشرة للثورة، معتبرا هذه فرصة للتفكير و المحاسبة وللوقوف بجرأة أمام المرآة لمساءلة أنفسنا: هل كان بالإمكان أحسن ممّا كان؟ وما هي أسباب تعثّرنا؟ وما هي العوامل التي كان بإمكاننا التحكّم فيها؟ وما هي العوامل التي كانت تتجاوز إرادتنا؟ ورغم أنّنا ‏ننتمي لتقليد ثقافي جبان يرفض المراجعة، ويتقن التبرير، ويتكاسل عن التدوين، فإنّنا نأمل-حسب تعبيره- أن يكون إحياؤنا لهذه الذكرى حافلا بالمنتوج الفكري الذي يستفزّ الأذهان، ويشحذ الإرادات ،ويفتح الآفاق. المثبطات كثيرة ولكننا نرى في الحراك المستأنف في السنتين الماضيتين في أكثر من قطر عربي دليلا قاطعا على أن ما حدث في شتاء 2011 كان تدشينا لعهد جديد كل الجدّة، كما اعتبر أن ما حدث في صائفة 2013 كان مجرد جولة في الصراع بين قوى التحرّر وقوى التسلّط والاستبداد المعتادة في مسارات التاريخ الطويلة.

لقد دشن العرب ، وفق الحلاصي، دخولهم الزمن الديموقراطي من البوابة التونسية ،رغم المد و الجزر في هذه الساحة او تلك . لذلك كانت هذه الكتابة، التي انخرط فيها، محاولةً لكسر الطوق، ولرفع سقف التحفظ، ولإزالة السحر عن العمل السياسي وعن الكيانات السياسية حتى تظهر في كامل بشريتها: في قوتها وضعفها، وفي تصميمها وترددها، وفي انسجامها وارتباكها، وفي وحدتها وتنوعها. فالنصوص التقييمية التي نشرتها مختلف التنظيمات في السنوات الاخيرة قليلة جدا ، و للمفارقة ، التي أوضحها صاحب الكتاب، تبدو الحركة النقدية في ثمانينات القرن الماضي أكثر نشاطا ،ويكفي للتدليل على ذلك مراجعة دوريات "المغرب العربي "و"حقائق" و"أطروحات"٠

ومن المهمّ للديموقراطية التونسية أن تنفتح مغاليق التنظيمات اليسارية و الإسلامية والدستورية والقومية وتنفتح صدور المناضلين فيها للبوح بمخاضات التجديد العصيبة. فالواقع يكشف حسب الجلاصي تبرما وضيقا وتعابير غضب عند مناضلين من الشباب ومن آخرين اقل شبابا ، ولكنها لم تخرج بعد من ردة فعل الجماعة والفرقة الناجية التي تخشى على وحدتها فتتحصن بقاعدة الصّمت . بين متعة الكتابة وواجب مقاومة إحتكار الخبرة وأوضح صاحب كتاب " من الجماعة إلى الحزب" إلى أنّ كتابته هذه تسعى إلى الإندراج في سياق الكتابة السياسية المرافقة لمسار الثورة تحليلا وتقييما وتنظيرا واستشرافا.فممارستنا السياسية كسيحة يغيب عنها العمق النظري والتفكير بعيد المدى - حسب تقييمه -فتغرق في التكتيكات الصغيرة وصراعات المواقع وتنفصل يوما بعد يوما عن القيمة والرسالة والمغزى، كما تنفصل عن المواطنين المعنيين بها. ‏‎ورجا محدّثنا أن يستفزّ بكتابته همم كثير من الأصدقاء للخروج من الصمت. فالكتابة متعة، و هي أفضل وسيلة لتعميق التفكير، وهي واجب وطني لمن أتيحت لهم الفرصة لتصدر المشهد، فمن الأنانية أن يحتكروا خبرتهم فهي ملك للأجيال القادمة حتى تتجنّب الأخطاء. هي كتابة للتفكر في الشان الحزبي من خلال التجربة العملية و المطالعة و التامل ،وهو مجال قليلة هي الكتابة فيه لسيطرة ثقافة التحفظ و الصمت، او لعدم ادراك خطورة هذا الشان لكأننا لا ننتبه ان كثيرا من المشاريع و الافكار الكبرى جنت عليها الحوامل و الأوعية التي تدعي خدمتها. . حول مقولة الإنتقال و اعتبر عبدالحميد الجلاصي أنّ مقولة الانتقال مدخل مهم للفهم و التحليل لمجمل المشهد الذي كان قبل الثورة لامتحان مدى نجاحه في التاقلم مع التحديات الجديدة و الانتقال من الاحتجاج الى القيادة و هي نقلة في الهويات الحركية و في الرسالة و في الثقافة و الاخلاق و العلاقات يستوي في ذلك التنظيمات "السياسية "و الحركات الاجتماعية و هيئات المجتمع المدني .ولا غرابة ان نكتشف ان اختلاف الألوان الأيديولوجية لا يعني تنوعا في الثقافة الحركية إمتحان حقيقة انتقال حركة النهضة الجزء الأكبر من الكتاب خصّصه الجلاصي لامتحان حقيقة انتقال حركة النهضة من حالة الجماعة إلى حالة الحزب السياسي اي قياس مدى نجاحها في تجديد رسالتها و في تغيير هويتها الحركية لتتناسب مع الزمن الثوري و الديموقراطي .

يشبه الكتاب من هذه الزاوية ان يكون دراسة حالة، ولكنه مجرد شبه. فليس لدى الكاتب مسافة الأمان الكافية عن موضوع الدراسة، كما أنّه لم يحرص على المناهج المعتمدة فيها . علما وأنّه قد نشر كثيرا من مادة هذا الكتاب في سياق نقاشات داخلية، وكانت حافلة بمعطيات ذات طابع تنظيمي من مثل الإحصاءات والأسماء مع إحالات إلى تفاصيل داخلية. كما حرصعلى تجريد المنشور هنا من كل هذه المعطيات، إذ هي ملك لهيئات أو أشخاص قد لا يرون ضرورة في النشر، وقد حرص الجلاصي على ألا ينشر إلا ما كان شخصيا يتعلق بالخيارات المعلومة في السجال السياسي كما امتنع من نشر نصوص ساهم في نقاشها أو صياغتها في إطار حراك يسعى إلى توسيع نطاق الحوار والارتفاع بمستوى النقاش السياسي والفكري والتنظيمي وخاصة بداية من سنة 2015.

وحرص الجلاصي كما أكّد لنا على ان يورد هذه المادة مرتبة زمنيا ودون كبير تدخل منه حتى يترك لمختصين في علوم شتى فرصة تفكيكها وتحليلها واستنطاقها بأكثر مما فعل وعساه أن يساهم بذلك في خدمة البحث العلمي في مجال دراسة ديناميكيات الجماعات، ولكنه خصص فصلا مستقلا لخلاصاته و أحكامه، فحركة النهضة تمثل عنده في هذا الكتاب نموذجا لتنظيمات مقاومة للاستبداد التي واجهت بمنعرج الثورة تحديات غير مسبوقة... تصنيف النشهد الحزبي الراهن وأمراضه الكتاب يتضمّن تصنيفا للمشهد الحزبي الراهن وأمراضه(العلاقات الداخلية والثقافة و الاخلاق الحزبية ،والعلاقات البينية ،والعلاقة بالناخبين ،و العلاقة بعوالم المال و الاعلام )، كما اجتهد في طرح مجموعة أفكار للمستقبل(الاحزاب و الرسالة ،الاحزاب و الدين ،الاحزاب والوطن ..). وأعرب لنا عبدالحميد الجلاصي عن أنّه مقتنع تماما بأنّ الديموقراطية تحتاج الى احزاب ،و أنْ وحود طريق تنقذنا من الارتهان الى حالة حزبية أظهرت عجزها، كما تحصننا من الدخول في مغامرة لا أحد يعرف نتائجها...