languageFrançais

"القضية 230".. العدالة في مواجهة المثلية (دراسة)

''الدّولة الّتي لا تقبل تغيير الجنس إلاّ لأسباب طبيّة والّتي تجرّم الاعتداء على الحياء وتحكم على مرتكبيه بالسّجن، لا يمكن اعتبارها دولة آمنة لمختلف مكوّنات المجتمع الكويري! فالأرقام الرّسميّة لوزارة العدل (الهيئة العامّة للسّجون والإصلاح) تبيّن بوضوح علاقة العدالة بالمثليّة، حيث تمّ الزّج بآلاف الأشخاص في السّجون التّونسيّة منذ 1913، والأكيد أنّ العدد يفوق ذلك بكثير إذا نظرنا في أعداد الّذين حوكموا وحوكمن على أساس خدش الحياء والاعتداء على الأخلاق الحميدة!! فإذا كان القانون ما يزال يجرّم المثليّة، فهل يمكن للمشتغلين في قطاع العدالة (الشّرطة العدليّة، حكّام التّحقيق والقضاة) أن يكون لهم دور في تطبيق هذا النّص؟..''

هذه الأسئلة وغيرها جاءت في تقديم دراسة  ''القضية 230''..العدالة في مواجهة المثلّية'' (رابط الدراسة كاملة)، وهي من إعداد الدكتورة في علم النفس العصبي سمية بالحاج ودكتور القانون العام وحيد الفرشيشي، وقد تم تقديمها يوم الأربعاء 7 جوان 2023 بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية، وتم إنجازها ببادرة من الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية في إطار مشروع ''توانسة كيفكم''. 

هذه الدراسة هي بمثابة استقصاء على أساس الأحكام الصّادرة عن مختلف المحاكم منذ سنة 2015 إلى 2023 والّتي طبّقت الفصل 230، ابتدائيّا واستئنافيّا وفي التّعقيب؛ وخلُصت إلى أنّ ''القضاء لا يحاكم الأفعال بل الهويّات''. كما تم خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على فهم الموقف تجاه المثلية الجنسية لدى عينة من القضاة التونسيين، لمعرفة موقفهم/هنّ من المثليّة عموما بقطع النّظر عن جوانبها القانونيّة، وخلص البحث إلى أنّ ''موقف القضاة من المثليّة يغلب عليه التّسامح إذا لم تتعلّق بهم/هنّ مباشرة، ولكن هذا الموقف تغلب عليه العدائيّة في خلاف ذلك!!''. وتشير النتائج المستخلصة في هذا السياق، إلى أن موقف القضاة متناسق مع موقف بعض المجموعات الأخرى في السياق التونسي. ولكن من أبرز ملامح شخصية هذه المجموعة هي ''قابليتها للامتثال للقواعد أكثر من قابليتها للانفتاح''. وبالتالي فإن هذا النوع من التمشي قد يؤثر على مسار معالجة المعلومات وأخذ القرار من خلال تفضيل المعلومات المتوافقة مع التخمينات أي الفهم المسبق للمثلية الجنسية، وفق ما جاء في هذه الدراسة التي تساءل منجزوها عن ما إذا كان ''يمكن لثقافة هؤلاء وتركيبتهم النّفسيّة وقناعاتهم الإيديولوجيّة وتجاربهم الاجتماعية أن تؤثّر في كيفيّة تطبيق الفصل 230؟ وأن تؤدّي إلى تطبيقات واسعة من شأنها الزّج بالآلاف في السّجون، أو التّعامل المنطقي والمنفتح مع هذه المسألة والتّقليص أو الامتناع تماما عن المحاكمات على أساس الفصل 230؟''.

وعادت الدراسة في محور ''التطبيقات القضائية للفصل 230 من المجلة الجزائية: تجريم للهويات لا تجريم للأفعال''، على قضية طلبة القيروان الشهيرة، والتي أقرّت محكمة الاستئناف بالقيروان في قرارها الصادر في 2 جانفي 2023، بأن ''حق المواطن في حماية حياته الخاصة وحرمة مسكنه يظل من الحقوق التي يتوجب حمايتها من كل تعسف وتجاوز لحدود السلطة تطبيقا للدستور والمواثيق الدولية والقوانين الإجرائية الجاري بها العمل''. وهو ما اعتبرته الدراسة ''إقرارا ستكون له انعكاسات هامة في دحض تهمة اللواط على معنى الفصل 230 من المجلة الجزائية، فالحياة الخاصة هي الحياة الحميمية للشخص والتي لا يرغب في تقاسمها ومشاركتها إلا مع من يختار ومتى شاء ذلك. وتحتوي العلاقات العاطفية والجنسية، والتصرفات الفردية من سلوكيات وطقوس وصور وأفلام وكتابات ورسوم يحتفظ بها الشخص لنفسه، وهي وإن اطّلع الغير عليها تجعله إما في حرج اجتماعي أو عرضة للتتبعات القانونية والإدارية والقضائية، ونظرا لأهمية هذه المعطيات يحميها المشرع التونسي''. وهو ما أقره دستور 25 جويلية 2022 في الفصل 30 مستنسخا حرفيا الفصل 24 من دستور 2014: ''تحمي الدولة الحياة الخاصة، وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية''. إلا أن الدراسة لاحظت في جميع القضايا التي توصلت بها، ''أن كل عناصر الحياة الخاصة يتم تطويعها لإثبات جرم الفصل 230 خارج أي حالة تلبّس".

ما يزال الفصل 230 من المجلة الجزائية متسببا في الحكم على أشخاص بالسجن بمعدلات سنوية هامة، حسب ما توضحه الأرقام الرسمية. فمنذ إرسائه في 1913 إلى اليوم، تم إيداع آلاف الأشخاص على أساسه، وكان ''الاختلاف'' ذنبهم الوحيد. أكثر من قرن والقانون التونسي كان وما يزال مُنطلقا للتمييز والوصم والتجريم والتدخّل في الحياة الخاصة والحميمية للأشخاص الذين تكون ''هوياتهم الجندرية قاتلة لهم''. 

 


أمل الهذيلي