languageFrançais

الحصاد السياسي لسنة 2021: 25 جويلية والزلزال الذي دكّ عروش الأحزاب

2021.. لم يكن ككل الأعوام بالنسبة إلى أغلب الأحزاب السياسية في تونس، فأحزاب برلمانية فقدت دورها النيابي، وشهد أغلبها اهتزازات قوية، بل زلازل، حطمت جدران وأسقف وحدتها وصلابتها وكشفت خورا كان مخفيا وراء يافطات وحدة الصف الفضفاضة.. وأحزاب أخرى غير ممثلة في البرلمان، بقيت على هامش المشهد السياسي، وأخرى تموقعت وراء شعارات "ما يطلبه المتابعون" لتكتشف قبل انقضاء العام أنها مازلت تراوح مكانها على الهوامش كما بدأت.

حريق الانقسامات يقسم ظهر "نهضة الغنوشي"

اهتزازات كثيرة شهدتها عديد الاحزاب السياسية خلال سنة 2021، كان اكثرها دمارا اعصار 25 جويلية 2021 الذي لم يبق في بعض الاحزاب ولم يذر.. فحركة النهضة، الحزب الاغلبي في البرلمان، الذي ظل يؤجل مؤتمره الانتخابي ويرجئ معركة الحسم، ولم يحسم في موعد محدد له عدى اقرار موعد مفتوح لعقده  خلال شهر ديسمبر 2021، ولم يتم الحسم في شروط الترشح لقيادة الحزب، وهل سيسمح لزعيمه راشد الغنوشي ان يخلف مجددا نفسه كعادته منذ التأسيس الى اليوم.. شهد شرخا قويا نتيجة لارتدادات الاجراءات الاستثنائية وتجميد اعمال البرلمان وعدم القدرة على اجراء التقييمات والمراجعات الحقيقية التي يتم بمقتضاها تحميل المسؤوليات وتعديل المواقف وانسحاب من اقر المضي سابقا في خيارات خاطئة من زعامة الحزب وسلطة القرار فيه.. حيث عاش الحزب على وقع ازمة واسعة مع استمرار الاستقالات في صفوفه بعد اعلان 16 عضوا من مجلس الشورى بداية ديسمبر 2021 تعليق عضويتهم في لجان الاعداد للمؤتمر المقبل، اضافة الى استقالة 113 عضوا  بينهم قيادات وازنة ونواب في البرلمان المجمدة اختصاصته في اواخر سبتمبر المنقضي على خلفية الفشل في معركة الاصلاح الداخلي.

خلافات كان وقعها على النهضة بوقع مخلفات الاعاصير اعقبها حريق شب بالمقر المركزي في 9 ديسمبر اودى بحياة احد منتسبيها وخلف 18 مصابا في صوف قيادات الحركة وموظفي مقرها.
ومع نهاية العام مازالت الرياح العاتية تهب على الحركة التي تواجه قضية التمويل الاجنبي وملف ما يعرف بقضية اللوبييغ.. رياح قد تطفئ حرارة لهب الحريق أو تنقل ألسنته الى مواقع اخرى، لكنها قد تثير عاصفة هوجاء،  لها من القوة ما يقسم ظهر هذه الحركة ليشهد المستقبل القريب وجود حزبين من طينة واحدة.. حركة "النهضة" التقليدية وحركة "النهضة" العصرية بقيادات "رفضت ان تعيش في جلباب راشد الغنوشي".

بين الاستقالات والسجون والمهجر.. ضاعت وحدة قلب تونس

أعاصير واهتزازات 2021 السياسية، اجتاحت أيضا حزب قلب تونس شريك النهضة في البرلمان، حيث شهد على امتداد العام سلسلة من الاستقالات، سواء في كتلته البرلمانية او عضوية هياكله.. حيث أعلن كل من النائب فؤاد ثامر (7سبتمبر) والجديدي السبوعي ومحمد السخيري وسهام الشريقي في 10 سبتمبر 2021 استقالتهم من الحزب.. عقب اعلان النائب جوهر المغيربي في 19 جويلية 2021 تعليق نشاطه داخل هياكل الحزب.

ويشار الى أن الناطق الرسمي لقلب تونس الصادق جبنون كان قد اعلن في 12 اوت 2021 استقالته من كل هياكل الحزب وذلك بعد ان كان النائب عياض اللومي افتتح موسم الاستقالات في قلب تونس للعام 2021 منذ بداية العام في 28 افريل.

ففي 2021، عاش قلب تونس، كما عديد الأحزاب، أسوأ فتراته، فقد عرف الحزب الثاني في البرلمان حسب انتخابات 2019 انتكاسة غير مسبوقة، واهترأت رمزيته وما حققه انتخابيا ببلوغ رئيسه نبيل القروي الدور الرئاسي الثاني ضد الرئيس قيس سعيّد، ليتهاوى الحزب تدريجيا بسبب غياب قيادته القابعة بين السجون والمهجر.

ويواجه الحزب بدوره قضية شبهات فساد في تمويل الحملة الانتخابية اضافة الى ملف اللوبيينغ والتمويل الأجنبي.

التيار الديمقراطي.. خلافات واستقالات.. ومواقف متغيرة

كما لم تمر العواصف والزلازل السياسية لسنة 2021 بسلام على حزب التيار الديمقراطي، حيث شهد اقدام الامين العام للحزب غازي الشواشي، مساء يوم 12 مارس 2021 على اعلان انسحابه من الحزب في خطوة مفاجئة، سرعان ما تم التراجع فيها وذلك بالتوزاي مع موجة من الخلافات التي شقت صفوفه في علاقة بالمواقف المتضاربة من الأزمة السياسية، التي سبقت اقرار رئيس الجمهورية العمل بالاجراءات الاستثنائية في 25 جويلية 2021، والاصطفاف مع رئيس الجمهورية قيس سعيد، أو في ما يتعلق بمساندة رئيسة الدستوري الحر عبير موسي التي تعرضت في مناسبات عديدة للاعتداء بالعنف المادي من قبل بعض نواب ائتلاف الكرامة ورئيس كتلتهم على بعض اعضاء الكتلة الديمقراطية ورموز تيارية.

وتواصلت الخلافات داخل التيار الذي شهد في بداية جويلية 2021 موجة من الاستقالات، إذ بلغ عدد المستقيلين 60 قياديا من مؤسسين وأعضاء في المجلس الوطني وفي المكاتب الجهوية، بسبب رفضهم لآليات تسيير الحزب.. اعقبها استقالة او اقالة رئيس الكتلة محمد عمار في منتصف جويلية 2021 بسبب خلافات مع الامين العام غازي الشواشي.. تلتها استقالة رئيس المجلس الوطني للحزب مجدي بن غزالة في 24 سبتمبر 2021، ثم استقالة رضا الزغمي احد ابرز مؤسسي التيار وعضو مكتبه السياسي وعضو مجلس النواب المجمدة اختصاصاته في منتصف اكتوبر 2021.

ونتيجة لعاصفة الاستقالات كان لزاما على التيار ان يعقد مجلسه الوطني لسد الشغورات صلب هياكله والاستعداد لعقد مؤتمره الوطني الثالث، حيث تم انتخاب سامية حمودة عبو في 23 و24 اكتوبر 2021 رئيسة للمجلس الوطني للتيار الديمقراطي في دورة اطلقوا عليها  اسم "دورة نزار مخلوفي" النائب عن التيار الذي توفاه الأجل في حادث مرور بتاريخ 8 جويلية 2021.

وتدرجت مواقف التيار الديمقراطي من الاجراءات الاستثنائية التي اقرها رئيس الدولة قيس سعيد، من الرفض الى الاختلاف معه في تأويل الفصل 80 من الدستور، ثم الى تفهم حتمية اتخاذ هذه الخطوة، اعقبتها العودة الى الرفض والانخراط مع الحزب الجمهوري وآفاق تونس والتكل، في تنسيقية القوى الديمقراطية المعارضة لقرارات الرئيس قيس سعيّد، والتي اصدرت عديد البيانات الرافضة لكل الخطوات المترتبة عن الاجراءات الاستثنائية.

25 جويلية ولحظة انفصال حركة الشعب عن التيار

التيار الديمقراطي، تعاطى مع الاجراءات الاستثنائية التي اقرها رئيس الجمهورية بموقف متعارض مع موقف شريكه في الكتلة الديمقراطية حركة الشعب، الحزب الذي اعلن منذ اللحظات الاولى لاقرار التدابير الاستنائية في 25 جويلية 2021 مساندته لكل الخطوات والاجراءات المترتبة عنها بما فيها تجميد اعمال البرلمان واختصاصاته.

لكن يبدو ان موقف حركة الشعب من الرئيس قيس سعيد بدأ في التغير رغم المساندة المطلقة، حيث عبرت في الآونة الاخيرة عن معارضتها لانفراد رئيس الجمهورية قيس سعيد بالسلطة داعية الى ضرورة تحديد سقف زمني للإجراءات الاستثنائية.. ورحبت حركة الشعب في منتصف ديسمبر 2021، في بيان أصدرته بمناسبة ذكرى الثورة، بالقرارات التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية يوم 13 ديسمبر، والأجندة الزمنية المسقفة، مؤكدة في المقابل "ضرورة تثبيت الضمانات المرافقة لها"، بما يعطي تلك القرارات "المقبولية اللازمة لدى عموم الشعب والفاعلين السياسيين، ويؤمنها ضد كل إمكانية للتشكيك في مشروعيتها".

ولم تمض حركة الشعب منفردة في خيار مساندة قرارات رئيس الجمهورية، بل وجدت بعض الاحزاب الاخرى على غرار حزب حركة تونس الامام، وحزب التحالف من اجل تونس، ترافقها في مواقفها مع بعض الاختلاف في وجهات النظر والتعاطي مع الاحداث.

موسي تخلف نفسها في الدستوري الحر.. واتهامات لها بالاستيلاء على الحزب

أما الحزب الدستوري وبعد ان كانت رئيسة الحزب عبير موسي، اعلنت غداة 25 جويلية 2021 أن حزبها مهد الطريق لرئيس الجمهورية لاتخاذ قرار تجميد اعمال البرلمان، ووضع تواقيع نواب الكتلة على ذمة رئاسة الجمهورية لتسهيل أي آلية دستورية لحله والدعوة إلى انتخابات مبكرة في الآجال القانونية  فأنه ساند قرارات رئيس الجمهورية القاضية بازاحة حركة النهضة من الحكم، غير أنه يختلف مع رئيس الدولة في الآليات التي يجب المضي فيها.

وعاش الدستوري الحر خلال سنة 2021 على وقع عدة اعتداءات جسدية استهدفت رئيسة كتلته وعدد من نوابه تحت قبة البرلمان من طرف نواب كتلة ائتلاف الكرامة واخرون مستقيلون منها، خاضت قبلها وبعدها الكتلة جملة من الاعتصامات والتحركات تحت قبة البرلمان وامام مقر فرع تونس لاتحاد علماء المسلمين مطالبة بحله اخرها الاعتصام الذي انطلق يوم 14 ديسمبر 2021.

وأعاد الحزب الدستوري الحر انتخاب عبير موسي رئيسة له وذلك في مؤتمره الانتخابي الذي عقد من 12 إلى 14 اوت 2021 عن بعد.

ورافق اشغال المؤتمر انتقادات من قبل عدد من أعضاء الديوان السياسي السابقين بالحزب الدستوري الحر، الذين اكدوا أنّ رئيسة الحزب انحرفت بمساره واستولت عليه لفائدتها.

ويعد الحزب الدستوري الحر من بين قلة من الاحزاب التي حافظت على تماسكها ووحدة صفها رغم قوة وقع الزلزال السياسي الذي هز اركان الحكم والمعارضة في 25 جويلة 2021.. ومثلت خصوماته واختلافاته مع كتلة ائتلاف الكرامة في البرلمان المجمدة اختصاته ابرز مبررات تجميد البرلمان واقرار الاجراءات الاستثنائية بسبب تعطل السير العادي للمؤسسات والخطر الداهم الءي بات مهددا الدولة وكيانها.

ائتلاف الكرامة.. من كتلة مارست العنف، الى حزب سياسي.. ثم استقالات وسجون

ائتلاف الكرامة الذي يعرف في الوسط الديمقراطي والنقابي "بكتلة العنف"، شهد سلسلة من الاستقالات على امتداد النصف الاول من سنة 2021، وفي نصفها الثاني اهتزت اركان وحدته بعد تحوله الى حزب سياسي، وعقب قرارات 25 جويلية 2021  بسلسة جديدة من الاستقالات ابرزها استقالة النائب عبد اللطيف العلوي من الكتلة البرلمانية ورئاسة المكتب السياسي وعضويته، ومن تمثيليّته في مكتب المجلس، قبل ان يشمله الايقاف والمحاكمات على غرار رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف الذي يقبع بالسجن.

تحيا تونس.. يلازم الصمت.. ويستعد لمؤتمره الجديد

اما حزب تحيا تونس الذي يستعد لعقد مؤتمره الاستثنائي في مارس 2022، فقد حافظ على تماسك هياكله رغم الاهتزازات التي عاشها المشهد السياسي والحزبي منتصف عام 2021 باقرار التدابير الاستثنائية، وعبر رئيسه يوسف الشاهد عن ثقته في توجهات الرئيس قيس سعيد، مؤكدا أن ما قام به سعيد يوم 25 جويلية 2021 أحدث رجّة نوعية لدى التونسيين.

افاق تونس.. ينطلق في الإعداد للانتخابات وفق مواعيد سعيد

من جانبه عاش حزب افاق تونس مع نهاية العام 2021 على وقع مؤتمره الانتخابي الذي تم خلاله انتخاب القياديين بالحزب ريم محجوب وسليم المحرزي نائبين لرئيس الحزب، وخليل الغانمي رئيسًا للمجلس الوطني ووليد صفر رئيسا للمكتب السياسي.

وكان حزب آفاق تونس اختار، نهاية نوفمبر 2021، فاضل عبد الكافي لرئاسة الحزب للأربع سنوات القادمة..

وعبر افاق تونس عن رفضه ما وصفته بالانفراد بالحكم معتبرا ما اعلنه رئيس الجمهورية في منتصف ديسمبر 2021 مجرد تواريخ لا ترتقي الى ان توصف بخارطة الطريق وفق رئيسه فاضل عبد الكافي الذي اعلن مضي حزبه في الاعداد والاستعداد للانتخابات المقبلة وفق المواعيد التي اعلنها رئيس الجمهورية.

الوطد يدعو الى بناء "التحالف الوطني الشعبي" تأمينا لمسار ما بعد 25 جويلية.. وحزب العمال يحذر من الحكم الفردي والاستبداد

اما حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد)، ولئن لم تشمله ارتدادات الزلزال السياسي الذي هز اركان عديد الاحزاب في تونس ابان اقرار الاجراءات الاستثنائية في 35 جويلية 2021، فإنه حافظ على مواقفه القديمة الجديدة الداعية الى اسقاط مجلس نواب الشعب الذي يصفه في بياناته الرسمية ب "برلمان المافيا والعملاء"،  ويطالب رئيس الجمهورية قيس سعيد بالاستجابة للشعارات التي رفعتها جماهير الشعب في احتجاجاتها التي عمت كل أنحاء البلاد طيلة عام 2021 ، والتصدي لمحاولات العودة لواقع ما قبل 25 جويلية  ووضع اللبنات الأولى من أجل ارساء  "الفضاء السياسي والتنظيمي الجامع للقوى الوطنية التقدمية" وبناء "التحالف الوطني الشعبي" تأمينا لمسار ما بعد 25 جويلية من المخاطر التي تتهدده من فوضى داخلية وتدخلات محتملة للقوى الإقليمية والدولية والتوقي من منزلقات العودة للإستبداد وضرب الحريات.

اما حزب حزب العمال الذي لا يخفي دفعه المتواصل من أجل انهاء حكم النهضة، فانه وبعد انفصاله عن بقية مكونات الجبهة الشعبية، ظل وفيا لمبادئه،اذ عبر عن رفضه التام للعمل بالاجراءات الاستثنائية، مبررا موقفه بأن هذا التمشي يؤسس لحكم فردي مطلق واستبدادي معادٍ لمطوحات الشعب التونسي.

الحبيب وذان