languageFrançais

المشيشي ورهان ''الخلطة السحرية''

بعد ''الإستراحة'' التي فرضها عيد الإضحى على الساحة السياسية التي عرفت أسبوعا ساخنا، من المنتظر أن يدخل المكلف بتشيكل حكومة مشاوراته الجدية مع الأحزاب ومختلف مكونات المشهد السياسي، لتكوين حكومة تحظى بثقة البرلمان، بعد أن إفتتح المشاورات بالتقاء المنظمات الوطنية. دار الضيافة تحتضن للمرة الثالثة في نصف سنة، مشاورات حثيثة يضبطها أجَل غير بعيد، من أجل تكوين حكومة "قوية'' قادرة على الصمود أمام الهزّات السياسية المتكررة وتحرّك صفائح الأرضية السياسية في كل حين.. وأمام هشام المشيشي اليوم مهمة غير هيّنة بالمرة، وهو يدخل المشاورات حاملا إرثا ثقيلا تركه إلياس الفخفاخ الذي مرّ من الباب نفسه، وضغط ''الفشل'' الذي كان قد مُني به الحبيب الجملي في البرلمان.. فأي سيناريوهات أمام ''وزير الداخلية النظيف'' في مهمة الثلاثين يوما التي مضى منها أسبوع؟ 


لئن فاجأ هشام المشيشي الجميع وخرج من ما يشبه العدم -ولئن إقترحته حركة ''سيادة'' ذات النائب الوحيد المنشق من إئتلاف الكرامة- فإن المواقف منه تغيّرت خلال سويعات قليلة، ورسا الجميع بعد لغط كثير على الترحيب بتعيينه ''وعدم الإعتراض على شخصه''. فمن هو الرجل الذي إختاره رئيس الجمهورية في هذه المرحلة الصعبة ولمهمّة أصعب؟

اعتبر محللون تعيينه كسرا ''لتابوات'' عديدة، إبن الإدارة التونسية ذو الـ46 ربيعا، غير المتحزب و''غير الخاضع لأي ضغوطات سياسية''، لا ''ملفات'' تعلّقت به، وإبن ولاية جندوبة ''غير المحظوظة سياسيا''... 

عرف التونسيون المشيشي في أوجّ أزمة كورونا في صورة الحازم الصارم المُطبّق للقانون وإجراءات الحجر الصحي، تحدث حينها جنبا إلى جنب مع وزير الصحة المُقال عبد اللطيف المكي عن صعوبة المرحلة وضرورة الانضباط للاجراءات، وشدد حينها على أن "القانون فوق الجميع دون استثناء''. لم يكن كثير الظهور ولا صاحب تصريحات كثيرة، وخيّر في "أزمة الكامور'' وما عرفته المنطقة من تدخّل أمني "قوي'' الصمت، رغم الانتقادات الكثيرة التي طالت التعامل الأمني مع الأزمة.. 

واليوم، تغيّرت مهام المشيشي، إذ يحمّله واقع البلاد المشتّت سياسيا والهشّ إقتصاديا، عبء سنوات من التجارب غير الناجحة التي أكلت من الطبقة المتوسّطة أغلبها، ودفعت بالشارع التونسي إلى ''الكفر'' بالساسة والسياسيين.. أمام رئيس الحكومة مهمة صعبة أولى هي تشكيل ''حكومة المهمة المستحيلة'' التي تحظى بثقة البرلمان بتشكيلة وبرنامج يرضي الأغلبية.. فماذا تطلب الأحزاب والمنظمات من المشيشي؟ 

 

بيْن واضحٍ ومتكتّم.. هكذا تكلّمت الأحزاب

 

حركة النهضة التي عبّرت عن ''عدم اعتراضها على شخص المشيشي'' مقابل ''اعتراضها على كيفية تعيينه'' لعدم وجود إسمه في قائمة الأسماء المقترحة، دعته في آخر مخرجات مكتبها التنفيذي إلى 'توسيع دائرة المشاورات مع الأحزاب والمنظمات الوطنية، ووضع برنامج وطني للانقاذ، لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة''.

في حين أسرّ القيادي في الحركة سمير ديلو لموزاييك، بأن ما بلغ إلى علمهم مبدئيا هو ميل المشيشي إلى تشكيل حكومة ''دون مشاركة مباشرة من الأحزاب''، وقال في هذا السياق ''شخصيا لا أرى المحدّد في مشاركة الأحزاب من عدمه.. الأصل أن المحدد هو الكفاءة ويقع الإختيار دون مراعاة القبعات السياسية.. الكفاءات تكون من الأحزاب ومن خارجها.. المهم أن تتوفر لها الأرضية السياسية التي تضمن نيلها الثقة''. 

هذا الموقف المبدئي 'الليّن'' للحركة، يبقى في إنتظار ما ستؤول إليه الحسابات السياسية في الأيام القادمة، وقد تحدده علاقتها بحليفها ''البرلماني'' قلب تونس، الذي عبّر رئيس كتلته أسامة الخليفي بدوره على عدم الإعتراض على المشيشي  وأمله في أن ينجح في تحقيق ''الإستقرار السياسي اللازم وما يضمن تماسك الدولة وإستمرارية مؤسساتها الشرعية.. والتفرغ الكامل لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة..'' . موقفان أوّليان لحزبين وازنين في تحديد مصير حكومة المشيشي، لا يفصحان على ما قد تؤول إليه المشاورات لاحقا، في إنتظار إعلان شروطهما صراحة وتحديد ما إذا كانا إختارا الحكم أو المعارضة. 

اكتفى التيار الديمقراطي إلى حدود اليوم، ببيان لم يفصح فيه عن شروطه في الحكومة المقبلة، وعبّر عن رجائه أن يعمل المشيشي في تشكيل حكومته، ''على تحقيق الظروف الموضوعية التي  تسمح لها بالعمل بجدية بعيدا عن المصالح الضيقة لأي طرف والتنازلات الناجمة عن التخويف بعدم التصويت لها أو إسقاطها لاحقا، معتبراً أن هذا التوجه من شأنه أن يمكن الحكومة من الخروج بالبلاد من الأزمة الخانقة التي تمر بها''.

حركة الشعب من جانبها أبدت موقفا أكثر حدّة ووضوحا، وعبّر قياديوها عن رغبتهم ''في حكومة دون النهضة''، إذ قال خالد الكريشي في تصريحه مؤخرا لموزاييك، إن حركة الشعب ''لا تريد تكرار تجربة حكومة إلياس الفخفاخ''، وقال ''في حال كانت حكومة سياسية.. نحبّذ أن تكون دون النهضة'' وإعتبر أن الحكومة القادمة هي ''حكومة الرئيس الثانية''.

موقف إلتقت فيه الحركة القومية مع الحزب الدستوري الحر، إذ شدّدت عبير موسي على أن شرط حزبها الوحيد من أجل التعاطي بايجابية مع حكومة المشيشي -التي لا إعتراض لها على شخص رئيسها-، هو إقصاء النهضة منها في المشاورات والتركيبة، وقالت في تصريحها لموزاييك ''في حال قال رئيس الحكومة المكلف منذ البداية إنه سيقوم بتشيكل حكومة كفاءات مستقلة وغير متحزبة، فسنتشاور معه ولن نعارضها'' وتابعت ''إذا  توجه نحو حكومة متحزبة ولم يكن الإسلام السياسي ممثلا فيها فلن نمانع أيضا التشاور معه'' في حين استدركت ''أما إذا تشاور مع الإخوان فلن نكون معنيين بهذه المشاورات، ويا خيبة المسعى إن عدنا إلى التوافق''. 

في حين دعت حركة مشروع تونس هشام المشيشي إلى ''الاكتفاء بحكومة مصغّرة متضامنة''، مضيفة أنها تتطلع إلى اعتماد رئيس الحكومة المكلف ''معايير الكفاءة والاستقلالية في اختيار أعضاء الحكومة، والابتعاد عن المحاصصة الحزبية''...

 

والمشيشي.. ما رأيه؟ 

يوم الخميس 30 جويلية، إلتقى رئيس الجمهورية الرجل الذي كلّفه بتشكيل ''حكومته الثانية''، وأكد المشيشي للرئيس ''انفتاحه على كل المقترحات والتصورات التي من شأنها أن تساهم في التسريع بتكوين حكومة تستجيب للمطالب الملحة ولانتظارات كلّ التونسيين''، وفق ما جاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية.

وعلى هامش زيارة أداها في أول أيام عيد الإضحى إلى ولاية سليانة، أكد هشام المشيشي أن حكومته ''حكومة كافة التونسيين وتسعى إلى تحقيق تطلعاتهم''. وتطرّق رئيس الحكومة المكلف إلى أنه سيعمل على أن تكون ''تمثيلية المرأة على قدر حضورها في كل القطاعات وفرضها وجودها فيها''. 

وشدّد المشيشي على أنّ المسألتين الاقتصادية والاجتماعية ستكونان من أوكد أوليات الحكومة القادمة حتى تستجيب لتطلعات التونسيين..

يبقى المشيشي اليوم، في إنتظار تقدّم المشاورات، أمام مهمة وعرة تتمثل في نجاحه في إيجاد ''الخلطة الحكومية السحرية'' التي تُرضي الجميع.. ''حكومة غير حزبية قد تضم متحزبين وتدعمها أثقل الأحزاب وزنا بين أغلبها قطيعة وشقاق''.. وهو ما يبدو لوهلة أولى مهمة شبه مستحيلة، في حال لم تسجّل المشاورات تنازلات وتوافقات اللحظة الأخيرة.. 

 

أمل الهذيلي