languageFrançais

صفاقس.. 'موزاييك' في العامرة ترصد حقيقة الأوضاع

This browser does not support the video element.

عندما كنّا في طريقنا إلى معتمدية العامرة شمال صفاقس، كان من اليسير أن نرى على جنبات الطريق وعلى مسافات طويلة، عديد المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء سائرين أو جالسين هنا وهناك أفرادا وجماعات ..

في هذه المعتمدية الساحلية شمال صفاقس، تغيّر المشهد العام بالعامرة من خلال تواجد آلاف المهاجرين غير النظاميين الذي اتخذوا من غابات زياتينها مأوى ومستقرا، في تجمعات كبرى تبعد عن بعضها البعض بالكيلومترات.. منهم من طالت إقامته بالجهة يتحيّن فرص اجتياز الحدود البحرية خلسة نحو السواحل الإيطالية، ومنهم من وفد حديثا للهدف ذاته، وهو الرغبة في الوصول إلى الدول الأوروبية..

تواجد المهاجرين غير النظاميين المكثف "أصبح أمرا واقعا"، وفق أبناء العامرة الذي يُقدّرون أنّ جهتهم التي يناهز تعداد سكانها حوالي 35 ألف نسمة، أصبحت منذ الصائفة الماضية تستقطب أعدادا كبيرة من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء، ليناهز عددهم الآن حوالي 25 ألفا، وفق عدد من نشطاء المجتمع المدني بالجهة لموزاييك.  


تضاعف عدد المهاجرين تسبّب في غلاء المعيشة

تنقلت موزاييك على عين المكان، وتحدثت إلى فؤاد لحول الناشط المدني بجبنيانة والعامرة، الذي قال إنّ تضاعف عدد المهاجرين غير النظاميين بشكل فاق التوقعات دفع إلى تذمر أهالي العامرة لا سيما وأنّه "زاد من غلاء المعيشة وفقدان عدد من المواد الأساسية إلى جانب المخاوف من المشاكل التي تهدد النظام العام، من حيث السرقات وأحداث العنف التي قد تقع حتى بين المهاجرين غير النظاميين أنفسهم مع التواجد المكثف لهم واستقرارهم بالأراضي الفلاحية لأبناء الجهة وفي الهواء الطلق بلا مرافق صحية ضرورية"، وفق قوله.

ولفت فؤاد لحول إلى أنّ المجتمع المدني بالعامرة كان أصدر بيانا ينتقد فيه "حالة التسيب" والتعاطي بسلبية مع هذا الموضوع الحارق، كما أشار إلى مشاكل عديدة أخرى، منها المخاوف على السلم الاجتماعي وعلى صحة المتساكنين والخوف من انتشار الأمراض المعدية مع ما يلفظه من حين إلى آخر البحر من جثث لمهاجرين غير نظاميين. وتحدث فؤاد لحول كذلك عن الضغط الكبير الذي يشهده المستشفى الجهوي بجبنيانة ومعاناة الإطارات الطبية وشبه الطبية من أجل تأمين الخدمات الصحية والاستشفائية والولادات لقاصديه من أبناء معتمديتي جبنيانة والعامرة وأيضا من المهاجرين غير النظاميين، وفق تعبيره.

الوضع أصبح يستوجب التدخل الفوري من السلط

من جانبه، قال حافظ الوحيشي النائب بمجلس النواب عن دائرة جبنيانة والعامرة إنّ الجهة أصبحت تعاني مشاكل كبيرة منذ تحويل أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من صفاقس إلى العامرة، وأضاف أنّ ذلك خلّف حالة احتقان، وأشار إلى أنّ الوضع يستدعي التدخل الفوري من السلط لحلّ هذا المشكل الذي أثر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصحية وعلى السلم والأمن الاجتماعي. وتابع أنّ الوضع ازداد احتقانا خلال الشهر الفارط بعد عبور عدد من المهاجرين غير النظاميين إلى لامبيدوزا وهو ما شجّع على توافد أعداد إضافية من مواطني دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى العامرة غاية الوصول إلى السواحل الايطالية.

وعلى صعيد آخر، نفى الوحيشي أن تكون هناك اعتداءات تذكر مثلما يتم الترويج له بين أبناء العامرة والمهاجرين غير النظاميين أو فيما بينهم إلا نادرا. وشدد الوحيشي على أنّ تونس لن تكون مستقرا للمهاجرين غير النظاميين، وأضاف أنّ رئيس الدولة قالها بوضوح إنّه "لا مجال للتوطين ببلادنا".   

''لا وجود لتمييز عنصري في التعاطي مع المهاجرين''

من جهته، أكّد محمد البكري الناشط بالمجتمع المدني بالعامرة ارتفاع عدد رعايا دول إفريقيا جنوب الصحراء في العامرة بما قارب التعداد السكاني لأبناء هذه المعتمدية الذي كان يناهز 35 ألفا من المتساكنين وهو ما أثر على الجوانب الحياتية والمعيشية والاجتماعية.

وقال إنّ معتمدية العامرة التي تتحمل الآن أعباء الوجود المكثف للمهاجرين غير النظاميين تعاني في الوقت ذاته من غياب التنمية وضعف البنية التحتية والمرافق الصحية والثقافية والرياضية. ونفى محمد البكري أن يكون هناك تمييز عنصري في التعاطي مع المهاجرين، كما نفى وجود اعتداءات عليهم كما يتم الترويج لذلك. وأشار إلى أنّه من المهم تظافر جهود كلّ الأطراف والمنظمات المعنية بالهجرة لمساعدة تونس وإيجاد الحلول، لافتا إلى أنّ تونس ليست أرض توطين وعلى الدول الأوروبية والمنظمات الدولية أن تقوم بواجباتها لإنهاء المشكل بما يحفظ حقوق تونس وأبنائها وأيضا يحفظ كرامة المهاجرين غير النظاميين الذين كل همهم الوصول الى الاراضي الاوربية.

''لا حالات إصابة بالسيدا في صفوف المهاجرين''

وفي تصريح لموزاييك، قال حاتم الشريف المدير الجهوي للصحة بصفاقس ردا على أحاديث بخصوص مدى وجود حالات إصابة بالسيدا والسل، أنّه في إطار الواجب الإنساني والصحي الذي تحرص عليه بلادنا وفي إطار المتابعة الطبية لكلّ الاشخاص مهما كانت جنسياتهم فإنّه تمّ يوم 30 مارس 2024، تسيير قافلة صحية إلى اماكن تواجد المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء بمعتمدية العامرة بعدة اختصاصات كصحة الأم والطفل والأمراض الجلدية وأمراض الأسنان والطب العام كما تم القيام بعديد التحاليل لتقصي فيروس فقدان المناعة المكتسبة السيدا بشكل اختياري وغير اجباري وايضا تقصي مرض السل، وجاءت النتائج سلبية فيما يتعلق بالسيدا كما أنّ النتائج الاولية لمرض السل كانت سلبية في انتظار جهوزية النتائج النهائية وقال حاتم الشريف إنّ ذلك يكشف أنّه لا وجود لبؤرة للمرض على الرغم من أن مرض السل ازداد في كل العالم بما في ذلك البلدان المتقدمة.

''نعيش أوضاعا صعبة للغاية''

وخلال وجودنا بأحد التجمعات للمهاجرين غير النظاميين بإحدى غابات الزياتين بالكلم 30 بالعامرة، لاحظنا أعدادا كبيرة من المهاجرين من مختلف الأعمار والجنسيات كنيجيريا والكاميرون والكوت ديفوار وبوركينا فاسو وسيراليون وغينيا وغامبيا وانتشار الأكواخ والخيام على جنبات الأشجار مع وجود مساحات بيضاء يستعملونها كملاعب للرياضة.

وفي حديثنا مع بعضهم، قالوا إنّهم يعيشون ظروفا صعبة في خيام يعمد الأمن بين الحين والآخر إزالتها، وأنّهم يفتقرون إلى الخدمات الصحية والرعاية الضرورية، وأنّهم يحبون تونس وشعبها، ولا يبحثون عن الدخول في أيّ مشاكل معهم وأنّ كلّ ما يحلمون به ويسعون إليه هو الوصول إلى أوروبا لتحسين معيشتهم بعد أن خرجوا من بلدانهم فرارا من الفقر والحروب والمجاعة وأنّهم تحملوا من أجل ذلك كل المخاطر ومستعدون لتحمل خطر الموت.

فتحي بوجناح