languageFrançais

كيف يُواجه ''المتعايشون مع السيدا'' في تونس فيروس كورونا؟

في الموجة الأولى لفيروس كورونا، توجّهت إمرأة حامل متعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرية ''السيدا''، إلى مستشفى وسيلة بورقيبة في العاصمة، من أجل القيام بالفحوصات اللازمة لمراقبة الحمل والجنين.. وهناك، تُركت المرأة تنتظر بعد أن تم وصمها بـوشاح أحمر في ذراعها في إشارة إلى مرضها، وحتى لا يقترب منها الإطار الطبي وشبه الطبي، بدعوى الخوف من العدوى.. وطبعا، فُتح في هذا السلوك المُشين تحقيق في خرق قانون حماية المعطيات الشخصية، وحرمان مريضة من حقها في العلاج.. ولم تُسفر التحقيقات عن نتائج بعد. 

حوالي 300 متعايش ومتعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرية تتم متابعتهم من طرف الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية، في حين تتجاوز الأرقام الواقعية الستة آلاف مصاب أغلبهم لا يعلمون بإصابتهم... وفي أزمة وباء كورونا، تضاعفت المصاعب الصحية لهذه الفئة الهشّة التي تُعاني إلى جانب الوصم والتمييز في تونس، هشاشة صحية تجعل حياتهم في خطر أكثر من غيرهم بسبب فيروس كورونا القاتل. 

ولحسن الحظ، لم تسجّل الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية (ATP+) أي إصابة بفيروس كورونا في صفوف المتعايشين مع ''السيدا'' في تونس، في حين أكدت رئيسة الجمعية سهيلة بن سعيدة، أن من أصيبوا بفيروس كورونا من المتعايشين في العالم، فقدوا حياتهم. ولئن لم تصدر إحصائيات علمية بعد عن نسبة الوفاة بكورونا في صفوف المتعايشين مع ''السيدا''، فإن من المتوقّع أن تكون النسبة مرتفعة، نظرا للعلاقة المباشرة بين كورونا والمناعة البشرية، وفئة المتعايشين مع السيدا هم إما فاقدون للمناعة أو يعانون ضعفا فيها.

وقد ألقت أزمة فيروس كورونا بظلالها على المتعايشين والمتعايشات في تونس، إذ أنهم -أوعلى الأقل المعلومون منهم الذين تتم متابعتهم من طرف السلطات الصحية- يحتاجون لتلقي دواء مدى الحياة حتى يمكّنهم من العيش بصفة شبه طبيعية. دواء ضروري يُضعف فيروس فقدان المناعة ويجعل نشاطه شبه منعدم، ونسبة انتقاله من شخصه مصاب إلى آخر سليم ''ضعيفة جدا''. هذا الدواء الحياتي لهذه الفئة شهد نقصا في تونس بسبب أزمة وباء كورونا العالمية، وسجّلت الجمعية صعوبات في توفيره للحالات التي تتابعها وتلتزم بإيصال الدواء لها في بيوتها، وإلى يوم الناس هذا، مزالت تونس تفتقد إلى نوعين من الدواء الخاص بالمتعايشين مع السيدا، كما تم تسجيل صعوبة في توفير الأدوية الجنيسة. 

وإضافة لذلك، وبسبب جائحة كورونا، فقد تم تحويل 4 مراكز صحية مخصصة لتوفير التحاليل والدواء للمتعايشين مع فيروس فقدان المناعة، إلى مراكز ''كوفيد 19''، مما حرم هؤلاء المرضى من الرعاية التي يحتاجونها وعرقل وصولهم للدواء. 

هشاشة صحية واقتصادية..

وفي تصريحها لموزاييك، أكدت  رئيسة الجمعية التونسية للوقاية الإيجابية، أن الجمعية قامت بالتعاون مع مختصين ومع وزارة الصحة وديوان الأسرة والعمران البشري، بالتنقل إلى المتعايشين والمتعايشات في منازلهم أو أماكن إقامتهم، وتوعيتهم بطرق التنظيف والوقاية من فيروس كورونا، كما تم تمكينهم من الكمامات الطبية، ومواد التنظيف والوقاية، والأدوية والمواد الغذائية والحليب وحفاظات الأطفال.. وذلك من أجل تقليل تنقلاتهم وتحركاتهم قدر المستطاع. 

ولهذه الجمعية مركزا استقبال، واحد في العاصمة وآخر في مدينة المنستير، من أجل التكفّل بمتابعة ومساعدة المتعايشين والمتعايشات مع السيدا، وقد عاينت الجمعية في تنقلها، انعدام مرافق الحياة الضرورية كالماء، وانعدام وسائل الاتصال (هواتف ذكية) لأغلب المتعايشين في مناطق ريفية أو حدودية وعرة.. قالت ''في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة والسلطات الصحية عن سبل الوقاية من فيروس كورونا ووضع تطبيقات ذكية لمتابعة انتشار الفيروس.. وجدنا متعايشين مع السيدا دون ماء ولا دواء .. وقد وجّهنا حينها رسالة إلى رئاسة الحكومة حول ذلك.. ولم نتلق تفاعلا إلا من الجمعيات والمنظمات الإنسانية..''.

وتابعت محدّثتنا ''للأسف فإن عدد المتعايشين والمتعايشات مع هذا الفيروس في تزايد.. والفقر والهشاشة أيضا.. والدولة لا تمكّن إلا البعض من المتعايشين من منحة قيمتها 180 دينارا.. وهؤلاء متعايشون يعولون أطفالا حاملين للفيروس أيضا.. ''.

 
 

من هم المتعايشون والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية؟

في تونس، يمكن لكل من يشكّ في إمكانية حمله لفيروس نقص المناعة، أن يتوجّه إلى أقرب مستشفى ويخضع للكشف والتحليل. وحال صدور نتيجة إيجابية، يتم تحديد نسبة تواجد الفيروس في جسم المصاب وسرعة تكاثره وقوّة المناعة البشرية، وعلى ضوء ذلك، يتم تمكين المصاب من دواء (مجاني) يُضعف الفيروس ويبطئ انتشاره ويقوّي المناعة، وبتناوله بانتظام، يُصبح حامل الفيروس غير ''ناقل له''.

ومن بين المصاعب التي يواجهها المتعايشون والمتعايشات مع هذا الفيروس في تونس، نقص الواقي الأنثوي وغلاء ثمنه، في حين أنه ضروري لحماية المتعايشين والمتعايشات من الأمراض المنقولة جنسيا والتي يمكن أن تؤثّر على مناعتهم وتشكل خطرا لحياتهم. 

ولئن توفّر وزارة الصحة الدواء مجانا للمصابين بفيروس فقدان المناعة، فإن ذلك لا يمنع تعرضهم إلى سوء المعاملة والتمييز والحرمان من الرعاية الصحية، إلى جانب الوصم الاجتماعي والعراقيل الاقتصادية التي يواجهونها.

وفي هذا السياق، قالت سهيلة بن سعيدة رئيس الجمعية ''وزارة الصحة لم تصنّف هذا المرض كمرض مزمن.. والقانون عدد 92 وجب تنقيحه، نظرا لكون يحمي المجتمع ولا يحمي المتعايشين..''. 

ووجّهت المتحدثة رسالة للتونسيين قائلة ''على غرار موجة التضامن في أزمة كورونا والتآزر في مواجهة هذه الجائحة، فلنتحدّ ونساند المتعايشين مع هذا الفيروس الذي لا يُصاب به الانسان لأسبوعين فقط...بل مدى الحياة''. 
 

أمل الهذيلي