languageFrançais

الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي: نحن أمام نوع جديد من الجرائم

اعتبر الباحث في علم الإجتماع محمد الجويلي في حوار لموزاييك أن المجتمع التونسي يشهد نوعا جديدا من الجرائم، ببروز جيل جديد من المجرمين يقترفون جرائم بشعة لأسباب ''تافهة''. 

 

وأكد الجويلي ضرورة التفريق بين أنواع الجرائم التي تصنف إلى جرائم بشعة على غرار جريمة قتل "رحمة" والشاب في القصرين والفتاة في منطقة حفوز بالقيروان وهي جرائم أثارت الكثير من الجدل والاهتمام الإعلامي،  والجرائم اليومية على غرار جرائم العنف والنشل والعنف ضد النساء إضافة إلى الجرائم "الناعمة" على غرار  الجرائم الاقتصادية وعمليات التحيل والاعتداء على القانون.

 

نوع جديد من الجرائم.. سرعة التنفيذ والأسبابه "تافهة"

 

وصنف الباحث في علم الإجتماع  الجرائم البشعة التي شهدها المجتمع التونسي مؤخرا ضمن النوع الجديد من الجرائم معتبرا أن من سماتها سرعة التنفيذ  واستعمال أدوات جديدة واسبابها في أغلب الأحيان "تافهة" على غرار نشل هاتف جوال أو إهانة صغيرة أو عدم الايفاء بتعهدات مالية على سبيل الاقتراض وغيرها من الأسباب "التافهة".

 

وبين أن المسافة بين دوافع الجرائم البشعة وتنفيذها أصبحت مسافة قصيرة جدا بمعنى أن اتفه الأسباب بإمكانها أن تؤدي إلى جرائم كبيرة وبشعة.

 

وأشار إلى أن مقارنة الجرائم في هذه الفترة بالجرائم البشعة التي شهدها المجتمع التونسي في سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات تبرز وجود مسافة سوى في الفكرة بمعنى ارتكاب جرائم من أجل فضاعات على غرار قضايا الشرف والخيانة والإرث وخلافات تاريخية قديمة تجددت أدت إلى القتل ..

 

وبين في هذا الصدد أن الجرائم ضمن الجيل الجديد من الممكن أن يرتكبها أشخاص لا علاقة لهم بالإجرام وليس لديهم سوابق وبعض السياقات جعلتهم يرتكبون جرائم في حين أن الجرائم البشعة في السابق يرتكبها أشخاص لديهم مسيرة في عالم الإجرام على غرار "علي شورب".

 

جرائم ارتبطت بالكحول والمخدرات والفقر والتهميش ولكن...

 

واعتبر الباحث في علم الإجتماع أن الكحول والمخدرات والفقر والتهميش هي أسباب لارتكاب جرائم بشعة إلاّ أن القراءة التفاهمية للجريمة وتطورها يبين ارتباطها بالدخول في مرحلة من الاستهلاك المتوحش والفاحش على حد تعبيره. 

 

وأوضح أن الناس اصبحوا مطالبين بكثير من الاستهلاك والانسجام مع ثقافة الاستهلاك بمعنى أن هوية الأفراد اصبحت تتحدد بمدى انخراطهم في منظومة المجتمع الاستهلاكي الفاحش.."فكل من هو خارج هذه المنظومة يشعر وكأنه فقد هويته مما يدفعه إلى البحث عمّا يمكنه من الاندماج والدخول إليها سوى عبر كثرة التداين أو القيام بعمليات تحيل أو اقتراف جريمة قتل من أجل هاتف جوال ذكي..وهذا الهاتف قيمته ليست في القيمة الاستعمالية له وإنما في أن هذا الهاتف يجعل مقترف الجريمة في مكانة مميزة في منظومة الاستهلاك ".

 

وتابع الجويلي " البعض أصبحوا يدخلون في المنظومة الاجرامية من أجل تلبية حاجيات استهلاكية يعتبرونها عنصرا من هويتهم وغياب هذه الحاجيات يضعهم على هامش المجتمع..بالإضافة إلى النقمة على المجتمع بسبب الفقر والتهميش والاحباطات الموجودة لدى مقترفي الجرائم وكل ضحية لديها إمكانيات ليست لديه يرى أنه من الضروري القضاء عليها بهدف افتكاك هاتف أو أموال أو ممتلكات والتقليص من النقمة الدفينة لديهم.

 

تيه وضياع وارتباك

 

ويعتبر الباحث في علم الإجتماع محمد الجويلي أن الفرد في تونس يعيش في حالة تيه وضياع  مشيرا الى أن الفردانية في تونس كمنظومة أخلاقية وقيمية في حالة ارتباك وفي مفترق طرق ولا تعرف إلى أين تتجه وهي بين ضرورة وجود مؤسسات قوية وضمير جمعي وأخلاق عامة ورقابة اجتماعية وبين رغبة الفرد في التحرر.

وبين أن المجتمعات الغربية خلقت فردانية ايجابية بنت من خلالها الديمقراطية والمجتمع الصناعي وتحرر العلاقة بالجسد إلاّ أن المجتمع التونسي مازال في مفترق طرق ..هل نحن مجتمع بقيم قهرية وقيم جماعية وضرورة خضوع الناس لهذه القيم أو هل نحن مجتمع يميل الى الفردانية المتحررة ..مما يؤدي الى ظهور فردانية مريضة مثقلة بالتحديات مع غياب مؤسسات المراققة الإجتماعية على غرار الأيديولوجيا والأحزاب السياسية والعائلة والمدرسة والتي افرغت من محتواها حسب قوله مما يجعل الفرد يواجه وحده الضغوطات والاكراهات الكبرى  .

 

يضيف الجويلي " هناك من بإمكانه تجاوز هذه الضغوطات وهناك من لا يمكنه ذلك فيمارس سلوكات محفوفة بالمخاطر ..إما عبر الانخراط في الإرهاب أو تعاطي المخدرات ..من الممكن أن ينخرط في ممارسات يضر نفسه فقط بها أو يضر بها غيره.

 

الحل في بوصلة واضحة من القيم والأخلاق

 

ويرى الباحث في علم الإجتماع محمد الجويلي أن الحل للخروج من حالة التيه والارتباك في المجتمع التونسي التي أدت الى ارتفاع منسوب الجرائم وتفشي ظاهرة العنف، يكمن في ضرورة وضع بوصلة واضحة من القيم والأخلاق إضافة الى ضرورة عودة المؤسسات القضائية والتربوية والأمنية والعائلية الى لعب دورها الأساسي في مرافقة الفرد في مواجهة الضياع والضغوطات.

 

كما شدد على ضرورة لعب القاطرة السياسية لدورها في دفع مشروع مجتمعي واضح المعالم ومجموعة قيم وخلفية أخلاقية وإنسانية فيها الكثير من العدالة والانصاف اضافة الى دور الإعلاميين وقادة الرأي  في إنارة المجتمع بهدف بناء الثقة وتغيير الخطاب والابتعاد عن التفاهة والتركيز على الملفات الجادة التي تنفع التونسيين.

 

كريم وناس