languageFrançais

رحلت مها وبقيت أحلامها.. ومتاعب أترابها

غطّى ضباب جبل فرنانة قُراها نهاية الأسبوع الفارط لكنّه لم يحجب مأساة عاشت على وقعها منطقة البطاح يوم الثلاثاء 12 نوفمبر 2019 بوفاة ''شهيدة الدراسة'' مها قضقاضي بعد أن جرفتها مياه الأمطار .


 بين شعابٍ وطريق شبه معبّدة في الجبل، يوجد كوخ مبنيّ من الطّوب، احتوى أحلام مها منذ ولادتها، وقسا على جسدها الصّغير مع كلّ موجة برد، قبل أن ترحل إثر سقوطها في مجرى واد غير بعيد عنه، تاركة رسالة وشهادات امتياز دراسيّ كانت فخرا لعائلتها، وشاهدة على تحدّيها لخصاصتها، آملة في أن يكون نجاحها الدراسيّ مصعدا اجتماعيا قد يغيّر وضع عائلتها ويخرجها من فقرها المدقع. لكن التّلميذة الطّموحة تحوّلت إلى ذكرى أليمة تحتفظ بها أمّ ثكلى وأب لم يستوعب بعد ما حصل لصغيرته.

لم تتوقّف والدة مها، لطيفة عن لوم الدّولة التي اعتبرتها متسبّبة في وفاة ابنتها بسبب إهمال المنطقة التي تُعزل عن العالم كلّما تهاطلت الأمطار .

وقالت لطيفة إنّ ابنتها قُتلت مرّتين بنفس الطريقة، بعد أن أُرغموا على أن يسكبوا على جثمانها وهي مسجّاة لتغسيلها، ماء الوادي نفسه الّذي جرفها، بسبب عدم توفّر المياه في المنطقة.

أمّا والدها مبروك، فلم يطالب بأكثر من سكن لائق، سبق وأن طالب به السلط المعنيّة مرارا، وعملا كريما يخوّل له العناية بابنته الثّانية، بعد رحيل مها.

طريق المدرسة في منطقة ''خنقة الجازية'' من معتمدية حاسي الفريد التابعة لولاية القصرين، لا تقلّ هي الأخرى خطورة عن طريق مدرسة البطّاح، حيث تدفع الظروف الصعبة تلاميذ الجهة  إلى قطع حوالي 7 كيلومترات بين الشّعاب والأودية للوصول إلى الفصل.

عزيز، صاحب العشر سنوات، هو أحد تلاميذ ''خنقة الجازية'' الذي تعوّد على رحلته المحفوفة بالمخاطر من وإلى المدرسة. ينطلق كلّ صباح من منزله نحو جبل الخرّوب الذي تقطعه أودية تعزل عزيز وزملاءه وتعرّض حياتهم للخطر مرّات عديدة كلّ سنة.​​​​​​​

يرافق عزيز عدد من أترابه في رحلته مشيا على الأقدام أو على ظهور الدواب، وكلّ ما يعنيهم هو وصولهم سالمين إلى مدرستهم والنّجاة من الكلاب السائبة أو حيوانات الجبل التي قد تعترضهم وتنهي حياتهم.

في هذه المنطقة، اجتمعت الظروف الاجتماعية القاهرة بالمناخ البارد والتضاريس الجبلية الوعرة، لتجعل من العمليّة التربوية مهمّة صعبة للغاية بالنسبة لعدد كبير من أطفال ''خنقة الجازية''.​​​​​​​

مبدأ تكافئ الفرص بين جميع  التلاميذ في تونس ليس سوى شعار يفنّده الواقع المعاش، ليبقى مجرّد حبر على ورق، هكذا علّق المعلّم بمدرسة ''خنقة الجازية'' الهادي سايحي في تصريحه لموزاييك.

بعد ساعات الدراسة يعود عزيز إلى منزله عبر الطّريق نفسها، حاملا حقيبته في يد بينما يحمل في يده الأخرى حجرا خشية أن تعترض الكلاب السّائبة سبيله، فيما يعود عدد آخر من التّلاميذ ركوبا في الصندوق الخلفي لإحدى العربات.
 

يقول عزيز: ''أطمح أن أصبح مهندسا فلاحيّا لكي أرتقي بمنطقتي..'' وبين حلم مها الذي قُضي عليه في المهد وأمنيات عزيز بمستقبل زاهر، يبقى الأمل قائما أن يتغيّر الوضع.

برهان اليحياوي