languageFrançais

تكره التجاهل وتسعى للفت الأنظار؟ انتبه.. قد تكون تعاني من هذا الاضطراب

في عالم مليء بالتفاعلات الاجتماعية والعلاقات المعقدة، قد يصعب أحيانًا التمييز بين التصرّفات الطبيعية والأنماط السلوكية التي تُشير إلى اضطرابات نفسية.

أحد هذه الاضطرابات هو اضطراب الشخصية التمثيلي، الذي يتميّز بتصرفات استعراضية ومبالغة في العواطف تهدف دائما إلى جذب الانتباه والتأكيد على وجود الشخص.  فحينما يُصبح الاهتمام والاعتراف بالمشاعر هو الهدف الأول في كلّ تفاعل اجتماعي، وعندما تتحول الانفعالات إلى أدوات للفت الأنظار، قد يكون الشخص يُعاني من اضطراب الشخصية التمثيلي. 

هذا الاضطراب، الذي يُصنّف ضمن اضطرابات الشخصية، يتّسم بالسعي المستمر لإثارة الانتباه من خلال تصرفات استعراضية ومبالغة في التعبير عن العواطف. وعلى الرغم من أنّ هذه السلوكيات قد تبدو سطحية أو مجرد محاولة لجذب الأضواء، إلاّ أنّها قد تكون مؤشّرا لمشكلة نفسية أعمق.

فما هي خصائص هذا الاضطراب، أسبابه و أعراضه؟ وأيّ تأثير له على الحياة الشخصية والاجتماعية للفرد؟..

اضطراب الشخصية التمثيلي: حين يُصبح التمثيل نمط حياة

يُعرّف اضطراب الشخصية التمثيلي أو اضطرابات الشخصية الدراماتيكية على أنّه نمط من الاضطرابات الشخصية التي تتّسم بالتمثيل والمبالغة والتعبير الدرامي في السلوك والعواطف. واضطراب الشخصية التمثيلي، المعروف أيضا باسم اضطراب الشخصية الهستيرية، يتميّز بنمط ثابت من السلوك التمثيلي والمبالغ فيه، والسعي الدائم للفت الانتباه والإثارة.

وتُعرّف الجمعية الأمريكية للطب النفسي اضطراب الشخصية التمثيلي بأنّه المبالغة في إظهار المشاعر، والبحث عن الاهتمام، واتباع السلوك المثير. ويبدأ هذا الاضطراب عند فترة البلوغ، ويميل الأشخاص المصابون به دائمًا إلى السلوك الدرامي اللافت للأنظار، ورد الفعل العاطفي. ويمتلك هؤلاء الأشخاص مهارات اجتماعية قوية، لكنّهم يلجأون لها للتلاعب بالآخرين، ويحرصون دائمًا أن يكونوا بؤرة الانتباه، وهو اضطراب يؤثر في العلاقات بشكلٍ كبير. فهم يميلون للأنانية، ولا يعيرون اهتمامًا للآخرين.

يُصيب حوالي 1.8% من السكان في العالم، وتتشخص هذه الحالة بشكل أكثر شيوعًا لدى النساء مقارنةً بالرجال

ويقع اضطراب الشخصية التمثيلي في المجموعة (ب) من الاضطرابات النفسية، وهي مجموعة الاضطرابات التي يتميّز بها المصاب بالدرامية، مثل اضطراب الشخصية الحدية، واضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الشخصية المعادية للجميع، ومن المعتاد أن يصاب الشخص بخليط من اضطرابات المجموعة ذاتها.

ويمكن أن يصاب الشخص ببعض سمات الاضطراب، دون أن يصاب بالاضطراب ككلّ. ويصاحب اضطراب الشخصية التمثيلي، أمراض مثل الاكتئاب، واضطرابات القلق، واضطرابات الطعام.

 

علامات تُشير إلى اضطراب الشخصية التمثيلي

تبعًا لدليل تشخيص الأمراض النفسية ينبغي أن يكون الفرد مصابًا بخمسة أعراض على الأقلّ، ليطلق عليه مصاب باضطراب الشخصية التمثيلي، وهذه الأعراض هي:

السلوك الاستعراضي.

اتخاذ قرارات متهورة.

المبالغة والمسرحية في إظهار المشاعر.

لا يرتاح الشخص عندما لا يكون في بؤرة اهتمام الجميع، فيلجأ لرفع صوته، أو فعل أشياء جنونية ليوجه الناس أنظارهم إليه.

البحث عن التأييد من الناس، ليرضى عن ذاته، لأنهم لا يشعرون داخليًا بقيمتهم.

تفاعله مع الآخرين غالبًا مغرٍ، خاصةً للجنس الآخر، أو يسلك سلوكًا استفزازيًا غير لائق، بحثًا أيضًا عن لفت الانتباه.

يبالغ في المظهر الجسدي بشدة.

يتصرف في العلاقات بشكل أكثر حميمية، مما هي عليه في الحقيقة.

يتأثر بشدة بالآخرين.

التغير الشديد في المشاعر.

جينات أم تجارب حياتية؟ أسباب اضطراب الشخصية التمثيلي

ينجم اضطراب الشخصية التمثيلي عن مزيج من العوامل الوراثية والتجارب الحياتية، منها بينها:

العوامل الوراثية: هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أنّ العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في تطور اضطراب الشخصية التمثيلي. يمكن أن يكون هناك استعداد وراثي لاضطرابات الشخصية بصفة عامة، مما يجعل بعض الأفراد أكثر عرضة لتطوير هذا الاضطراب إذا كانت لديهم تاريخ عائلي مشابه.

العوامل البيئية: البيئة التي ينشأ فيها الفرد يمكن أن تكون لها تأثير كبير على تطور اضطراب الشخصية التمثيلي. النمو في بيئة غير مستقرة أو مليئة بالتوتر يمكن أن يزيد من احتمالية ظهور هذا الاضطراب. على سبيل المثال، قد يكون الأفراد الذين تعرضوا لإهمال عاطفي أو سوء معاملة في الطفولة أكثر عرضة لتطوير أنماط سلوكية درامية ومبالغة لجذب الانتباه.

العوامل العصبية والبيولوجية: بعض الدراسات تشير إلى أنّ هناك عوامل بيولوجية وعصبية قد تكون لها دور في تطور اضطراب الشخصية التمثيلي. على سبيل المثال، عدم توازن في بعض المواد الكيميائية في الدماغ يمكن أن يؤثر على كيفية معالجة المشاعر والاستجابة لها، مما يؤدي إلى سلوكيات مبالغ فيها وغير مستقرة.

التجارب النفسية: التي يمر بها الشخص خلال حياته يمكن أن تسهم في تطور اضطراب الشخصية التمثيلي. فالتعرض لأحداث مؤلمة أو مواقف صعبة يمكن أن يؤدي إلى تطور آليات دفاعية غير صحية، مثل المبالغة في التعبير العاطفي والسلوكيات الدرامية كوسيلة للتعامل مع الضغوط.

وتُؤثّّر هذه العوامل على طريقة تعامل الشخص مع مشاعره، وقد تتفاقم مع مرور الوقت لتصبح سلوكيات مفرطة في طلب الاهتمام.

 

عواقب غير متوقّعة: مضاعفات هذا الاضطراب

اضطراب الشخصية التمثيلي يُمكن أن يؤدي إلى عدة مضاعفات إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه بشكل مناسب. هذه المضاعفات قد تؤثر على حياة الشخص اليومية، وعلاقاته الشخصية، وصحته النفسية، من أبرزها:

مشاكل في العلاقات الشخصية:

← العلاقات السطحية: بسبب سعي الشخص المستمر للفت الانتباه والمبالغة في التعبير عن المشاعر، قد يجد صعوبة في بناء علاقات عميقة ومستدامة. علاقاتهم قد تكون سطحية ويشوبها التوتر.

← العلاقات العاطفية المضطربة: قد يواجه الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب صعوبات في العلاقات العاطفية بسبب حاجتهم المستمرة للاهتمام، مما يؤدي إلى نزاعات مع الشريك والشعور بالرفض أو الإحباط.

← التلاعب العاطفي: الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يميلون إلى استخدام سلوكيات التلاعب العاطفي لجذب الاهتمام، مما يسبب احتكاكات وتوترات مع الآخرين.

القلق والاكتئاب:

← الشعور بعدم الرضا: بسبب شعور الشخص بعدم الحصول على الاهتمام الكافي أو التقدير، قد يعاني من مشاعر القلق والاكتئاب.

← الفراغ العاطفي: بسبب الحاجة المستمرة للموافقة الاجتماعية والاهتمام، قد يعاني الشخص من فراغ عاطفي عميق إذا شعر بعدم الحصول على تلك العوامل.

مشاكل في الأداء المهني:

← صعوبة في التركيز على العمل: بسبب الاهتمام المستمر بالمظاهر والسعي للحصول على الاهتمام، قد يواجه الشخص صعوبة في التركيز على العمل أو المهام اليومية، مما قد يؤثر على أدائه المهني.

← الصراعات في بيئة العمل: الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب قد يواجهون مشكلات في بيئة العمل بسبب سلوكهم المبالغ فيه، مما قد يؤدي إلى صراعات مع الزملاء أو المديرين.

تدهور الثقة بالنفس:

← الاعتماد على الآخرين للقبول: الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب غالبًا ما يكونون معتمدين على تأكيد الآخرين وتقديرهم لشعورهم بالثقة بالنفس. إذا لم يحصلوا على الاهتمام الكافي، قد ينخفض تقديرهم لذاتهم.

← التوجه نحو السلوكيات المدمرة: في بعض الحالات، قد يتطور هذا الاضطراب إلى سلوكيات مدمرة ذاتيًا، مثل اللجوء إلى تصرفات غير صحية للتعامل مع مشاعر الفراغ أو الرفض.

اضطرابات أخرى متزامنة:

← الاضطرابات النفسية المصاحبة: الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية التمثيلي قد يعانون من اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق، الاكتئاب، اضطرابات المزاج، أو اضطرابات الأكل نتيجة للمشاعر المستمرة من القلق أو عدم الاستقرار العاطفي.

← اضطرابات التعلق: في بعض الحالات، قد يعاني الشخص من صعوبة في إقامة علاقات ثابتة وآمنة بسبب السعي المستمر للاهتمام.

مشاكل صحية جسدية:

← التعب المزمن: بسبب التوتر النفسي المستمر الناتج عن الحاجة إلى الانتباه والاهتمام، قد يعاني الشخص من أعراض جسدية مثل التعب المستمر، الأرق، أو الاضطرابات في النوم.

تشخيص وعلاج.. الطريق نحو التوازن

يعتمد تشخيص اضطراب الشخصية التمثيلي على التقييم النفسي الشامل من قبل مختصين في الصحة النفسية، حيث يقوم الطبيب النفسي أو المعالج النفسي بتحديد ما إذا كانت الأعراض تتماشى مع معايير الاضطراب. 

أما بالنسبة للعلاج، فيعد العلاج النفسي هو الخيار الرئيسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، الذي يساعد في تعديل الأنماط السلوكية والتفكير المبالغ فيه. كما يمكن أن يساعد العلاج النفسي على تعلم كيفية التعامل مع المشاعر والضغوط بشكل أكثر نضجًا. 

وفي بعض الحالات، قد يتطلب الأمر العلاج الدوائي للتعامل مع الأعراض المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب. كما يُنصح بتوفير دعم اجتماعي مستمر من الأصدقاء والعائلة، لضمان التقدير والشعور بالانتماء دون الحاجة المستمرة للفت الأنظار.

 

في الختام، على الرغم من أنّ اضطراب الشخصية التمثيلي قد لا يكون مرضًا نفسيًا في البداية، إلاّ أنّ تأثيراته على حياة الفرد وعلاقاته قد تكون عميقة ومؤثرة. 

إذا كنت تشعر أن سعيك المستمر للفت الأنظار أو تجنّب التجاهل قد أصبح عبئًا على حياتك اليومية، فإنّ طلب المساعدة من متخصّص يعد خطوة مهمّة نحو الفهم الصحيح لنفسك.  ويبقى العلاج النفسي، إلى جانب الدعم الاجتماعي واكتساب مهارات التواصل الفعّال، يمكن أن يساعدك في التغلب على التحديات التي قد يسببها هذا الاضطراب. 

تذكّر دائما أنّ الفهم والوعي يمكن أن يكونا أولى خطوات الشفاء..

* إعـــــداد: أمل منّاعــي