languageFrançais

التبرع بالأعضاء في تونس.. قوائم الانتظار تتجاوز 1700 مريض

• حوالي 15 ألف تونسي فقط يحملون اليوم صفة ‘متبرع’، ما يبرز الحاجة لتوسيع ثقافة التبرع بالأعضاء

يشكل زرع الأعضاء في تونس أحد أبرز الملفات الصحية والإنسانية التي ما تزال تستدعي جهودًا مضاعفة من مختلف الأطراف المتدخلة. فرغم ما تحقق من تطور في السنوات الأخيرة، يظل الوعي المجتمعي بالتبرع بالأعضاء محدودًا، فيما تبقى نسب الزرع دون المستوى المطلوب مقارنة بالحاجات المتزايدة للمرضى.

الدكتور محمد الفقراوي، الطبيب المنسق بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، يقول في حواره مع موزاييك، أن زرع الأعضاء في تونس مازال يُعد موضوعًا او قضية مسكوت عنها “تابو” لدى جزء من المواطنين، إذ يخشى الكثيرون الحديث عنه أو الخوض في تفاصيله، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا ملحوظًا في هذا المجال.

عدد العمليات المنجزة

ويقول الدكتور الفقراوي إن التطور الحاصل مازال بطيئًا بالنظر إلى عدد العمليات المنجزة الذي يبقى أقل بكثير من عدد المرضى المحتاجين، مشيرًا إلى أن المركز يعمل على تكثيف الحملات التوعوية وتحفيز العائلات التونسية على المساهمة بوعي في هذا الجهد الإنساني.

ويضيف الفقراوي، أن المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء يواجه صعوبات في إقناع بعض العائلات بالموافقة على التبرع عندما يتوفى شخص دماغيًا، لأن أفراد العائلة غالبًا لا يعرفون موقفه من التبرع أثناء حياته، وهو ما يجعل اتخاذ القرار صعبًا في لحظات الألم.

وضع صفة متبرع

لذلك، يشجع الدكتور الفقراوي المواطنين على إعلان رغبتهم المسبقة في التبرع ووضع صفة “متبرع” على بطاقة التعريف الوطنية، خاصة وأن القانون المنظم لذلك موجود منذ سنة 1999.

ورغم مرور أكثر من عقدين على صدور هذا القانون، لم يتجاوز عدد المسجلين كمتبرعين إلى غاية سنة 2020 نحو 13 ألف شخص فقط، أي نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بعدد السكان. 

غير أن هذا الرقم ارتفع اليوم إلى حوالي 15 ألف متبرع، بفضل الحملات التحسيسية التي ينفذها المركز، والذي يطمح إلى بلوغ مليون متبرع في السنوات القادمة.

ويذكر الدكتور الفقراوي أن المركز ينظم سنويًا تظاهرات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بالتبرع بالأعضاء الموافق لـ17 أكتوبر من كل سنة، حيث يتم بالتعاون مع الشرطة الفنية لتمكين المواطنين من تسجيل صفة “متبرع” على بطاقات تعريفهم الوطنية مباشرة. 

وقد بلغت بعض هذه الحملات أرقامًا غير مسبوقة، إذ تمكن المركز في يوم واحد من تسجيل ما بين 150 و200 متبرع جديد، وفق الإحصائيات المقدمة من المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء.

إنقاذ الأرواح ونشر الرحمة

أما من الناحية الدينية، فيؤكد الدكتور الفقراوي أن التبرع بالأعضاء لا يتعارض مع تعاليم الإسلام، بل ينسجم مع مقاصده في إنقاذ الأرواح ونشر الرحمة.

ويشير محدثنا إلى أن المركز يعمل بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية من أجل إشراك الأئمة والوعاظ في نشر الوعي حول أهمية التبرع، مبينًا أن العديد من رجال الدين أكدوا مشروعية هذا العمل النبيل.

ويضيف الدكتور المنسق بالمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء، “نحن نحفّز المواطنين على استشارة الأئمة في هذا الشأن لأننا نثق أن الدين يدعو إلى حفظ الحياة، وكلما ازداد الناس اقتناعًا دينيًا وأخلاقيًا، زاد استعدادهم للتبرع”.

من ناحية أخرى، تكشف نفس  الإحصائيات عن حجم الحاجة المتزايدة إلى الأعضاء في تونس، إذ يبلغ عدد المرضى المدرجين على قوائم الانتظار حوالي 1700 مريض، من بينهم نحو 1600 في انتظار زرع كلية، فيما ينتظر حوالي 50 مريضًا زرع قلب، و50 آخرون زرع كبد.

الطريق مازال طويلاً

كما يخضع أكثر من 14 ألف تونسي لتقنية تصفية الدم، حوالي 30% منهم في حاجة ماسة إلى زرع كلية لتحسين نوعية حياتهم وإنقاذهم من المعاناة المستمرة.

ورغم الجهود المبذولة، يبقى عدد عمليات الزرع من متبرعين متوفين دماغيًا محدودًا، إذ تم إلى حدود أكتوبر 2025 تنفيذ 29 عملية فقط، مقابل 23 عملية في سنة 2024 و42 عملية في سنة 2023. 

أما عدد المتوفين دماغيًا الذين يتم أخذ الأعضاء منهم سنويًا فيتراوح بين 10 و20 حالة فقط، وهو رقم ضعيف جدًا مقارنة بالطلب الكبير.

ويؤكد الدكتور الفقراوي أن الطريق مازال طويلاً، لكن المؤشرات إيجابية، موضحًا أن كل خطوة نحو زيادة الوعي تمثل حياة جديدة تُمنح لمريض ينتظر الأمل. ويختم بالقول “كل مواطن يختار أن يكون متبرعًا يمنح فرصة للحياة لإنسان آخر. نحن نسير نحو الأفضل، ونتمنى أن يأتي يوم يصبح فيه التبرع بالأعضاء ثقافة راسخة في المجتمع التونسي، وشعارًا من شعارات التضامن الإنساني”.

صلاح الدين كريمي