المخدرات في تونس: خطر يهدّد جيلاً كاملاً
شهدت تونس في الفترة الأخيرة عمليات حجز ضخمة لكميات هائلة من المواد المخدرة داخل الموانئ وعلى الحدود.
هذه الوقائع المتكررة تطرح أكثر من سؤال حول موجة التوريد المكثف.. هل أصبحت بلادنا محطة رئيسية في خارطة التهريب الدولي؟ أم أنّها انعكاس لانتشار استهلاك هذه السموم في الداخل، وخاصة بين الشباب؟ الأكيد أن المؤشرات تكشف عن واقع اجتماعي مقلق يتطلب وقفة حازمة.
أرقام صادمة: الشباب في صدارة الاستهلاك
وفق ما قدّمه الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير في تصريح لموزايبك، فإن نسبة المدمنين في تونس بلغت سنة 2025 حوالي 9.2% من الشباب، أغلبهم من الفئة العمرية بين 13 و18 عاماً.
وتشير إحصائيات سنة 2024 وفق بن نصير،إلى أنّ نحو 656 ألف مراهق تونسي جربوا المخدرات على الأقل مرة في حياتهم، بينهم 65 ألف مدمن فعلي.
كما أبرز بن نصير أنّ 41% من هذه الفئة جربوا المخدرات بدافع التجربة والفضول، في حين أنّ 52% دخلوا في الإدمان بتأثير مباشر من أصدقاء السوء أو منطق الانتماء إلى مجموعة الرفاق.
دوافع اجتماعية واقتصادية
ويربط الباحث بين الإقبال المتزايد على المخدرات وبين الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب. فالمخدرات، خصوصاً الأنواع الرخيصة مثل "الحبوب المهلوسة"، تمنح نشوة مؤقتة وسهلة المنال مقارنة بمخدرات باهظة مثل الكوكايين أو الهيروين.
وأشار إلى أنّ هشاشة المنظومة التربوية، وضعف الرقابة الأسرية، وضغط البطالة والتهميش كلها عوامل تغذي هذه الظاهرة.
مخاطر تتجاوز الأفراد
ولا تقتصر تداعيات الظاهرة على صحة المدمنين فقط، بل تمتد إلى ارتفاع نسب الجريمة المرتبطة بالعنف والسرقة وتفكك النسيج الأسري نتيجة الإدمان وما يسببه من أزمات إضافة إلى إرهاق المنظومة الصحية في مواجهة حالات الإدمان المزمنة.
الحلول الممكنة: مقاربة شاملة
وشدد بن نصير على أنّ الحلول الأمنية ضرورية لكنها غير كافية. فالمطلوب هو مقاربة شاملة ترتكز على التربية والوقاية من خلال إدراج حصص ودورات توعوية داخل المدارس والمعاهد للتصدي لآفة المخدرات اضافة الى ضرورة وجود دور أسري عبر استعادة الرقابة الأبوية والتربية داخل العائلة كخط الدفاع الأول.
كما أكد ضرورة وجود الإحاطة النفسية والاجتماعية التي تتطلب بعث مراكز مرافقة توفر الدعم النفسي والاندماج الاجتماعي للمراهقين والشباب.
وتحدث الباحث في علم الاجتماع على ضرورة لعب الإعلام لدور مسؤول وإصلاحي عبر نشر ثقافة الوعي والتحذير من خطورة السموم.
في حين مؤسسات الدولة مطالبة بتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال خلق فضاءات ترفيهية وفرص تشغيل للشباب لتجفيف منابع الانحراف.
معركة وجودية
وأكّد الباحث أنّ تونس تعيش اليوم معركة حقيقية ضد موجة منظمة من تهريب المخدرات، تغذيها شبكات دولية لا تريد الخير للبلاد.
ورغم الجهود الأمنية والسياسية، فإنّ المؤشرات الخطيرة تفرض معالجة عميقة وجماعية، حتى لا يتحول جيل كامل إلى رهينة لهذه السموم.
كريم وناس